عامان من النار والأصفار.. سيناريو توحش الحرب الأقرب
حرب المسيرات في السودان.. تصعيد عسكري وانقسام جيوسياسي بلا نهاية مرئية


عناوين جانبية استفسارية:
كيف غيرت هجمات بورتسودان المسيرة خريطة الصراع في السودان؟
هل تحول الدعم السريع إلى “قوة جوية” بفضل الدعم الخارجي؟
ما تداعيات تحالف الجيش مع إيران وكوريا الشمالية على مستقبل السودان؟
ماذا تفشل الجهود الدولية في إيقاف الحرب رغم الكارثة الإنسانية؟
وقائع وأرقام:
الهجمات المسيرة: استمرت 8 أيام متتالية، مستهدفة ميناء بورتسودان (80% من تجارة السودان) وقاعدة عثمان دقنة.
الخسائر الاقتصادية: تضخم 118%، انهيار الجنيه بنسبة 99% منذ بداية الحرب.
الأزمة الإنسانية: 25 مليون سوداني يعانون انعدام الأمن الغذائي.
التدخلات الخارجية: اتهامات للإمارات بدعم الدعم السريع، وتحالف الجيش مع إيران وكوريا الشمالية.
السياق الإقليمي: مخاوف إسرائيلية من تحول السودان إلى مركز لنفوذ إيراني، وفق تقارير إعلامية.
سيناريو الحرب: استنزاف طويل الأمد مع غياب حل سياسي بسبب تعنت الأطراف وتدخلات خارجية.
ما بين الرابع والثامن من مايو 2025، خرجت مدينة بورتسودان من موقعها كملاذ آمن نسبي في خريطة الحرب السودانية، لتتحول إلى ساحة مواجهة مباشرة، بعد أن استهدفتها قوات الدعم السريع بسلسلة هجمات جوية بالطائرات المسيّرة. لم يكن الهجوم مجرد حدث عسكري عابر، بل تحوّلاً هيكلياً في ديناميات الصراع، كشف هشاشة سلطة بورتسودان، وعمّق ملامح الانقسام الجيوسياسي داخل السودان، وربما الأهم أنه أدخل الإقليم في متاهة جديدة من التوترات في منطقة بالغة الحساسية وتعاني الالتهاب أصلًا.
مليشيا الدعم السريع لم تتوقف عند استهداف مواقع عسكرية بحتة، بل وسّعت نطاق القصف ليشمل بُنى تحتية حيوية كالميناء، محطات الطاقة، مستودعات الوقود، ومرافق مدنية مثل فندق كورال مارينا، في عرض واضح لقوة نيران بعيدة المدى مدعومة بتكنولوجيا متقدمة، يرجّح أن مصدرها دعم خارجي نوعي، توجهت أصابع الاتهام فيه مباشرة الى دولة الإمارات العربية المتحدة.
هذا التحوّل في التكتيك – من حرب شوارع في الخرطوم إلى قصف دقيق عبر المسيّرات في أقصى شرق البلاد – يعكس ما يسميه محللون بـ”التكيف الإستراتيجي” لقوات الدعم السريع، التي خسرت الأرض في العاصمة لكنها ربحت السماء فوق بورتسودان ومناطق عديدة أخرى.
الرسالة الأكثر وضوحًا من هذه الضربات هي أن “لا مكان آمن”، حتى في بورتسودان، التي تحولت إلى مركز قيادة للجيش ومقرًا للحكومة. فالضربة طالت ما يمكن اعتباره العمود الفقري الإداري واللوجستي للدولة، مما أضعف الخطاب الرسمي للقوات المسلحة حول السيطرة والشرعية، وزاد من الضغوط النفسية على جنودها ومؤسساتها.
حتى في حال تمكن الجيش من اعتراض بعض المسيّرات، فإن مجرد استمرار الهجمات لثمانية أيام متتالية يكشف عن خلل في القدرة الدفاعية، وعن فجوة متزايدة بين حرب تقليدية تحاول القوات المسلحة السودانية خوضها، وحرب غير متماثلة تجيد الدعم السريع وحلفاؤها الظاهرين والمستترين إدارتها.
لاتهام المباشر من الخرطوم لأبو ظبي – ثم قطع العلاقات معها – لم يكن خطوة دبلوماسية معزولة، بل تصعيدًا علنيًا لصراع ظل يُدار خلف الستار لسنوات. فبدلًا من لعبة النفوذ الصامتة بين الإمارات ومصر في المسرح السوداني، نشهد اليوم مواجهة علنية، تدفع نحو إعادة فرز التحالفات الإقليمية على ضفاف البحر الأحمر.
تقول أبوظبي إنها لا تعترف بشرعية حكومة بورتسودان، مما يعمّق مأزق الشرعية الدولية للسلطة القائمة، ويمنح الدعم السريع مخرجًا سياسيًا قد يتحوّل إلى اعتراف ضمني بها كطرف قابل للتفاوض، إنها ليست مجرد أزمة دبلوماسية، بل تشققات في الجسد العربي بشأن ما يدور في السودان، مما يعقد المشهد ويجعله مفتوحًا على السيناريوهات كافة.
الهجوم على بورتسودان زعزع ما تبقى من توازن هش في الحرب، فالقوات المسلحة، التي تحتفظ بتفوق في الأسلحة التقليدية، تواجه الآن خصمًا يحسن توظيف التكنولوجيا والمباغتة والقاعدة تقول “من يملك السماء لا يحتاج للوجود على الأرض” وهذه الحقيقة تفتح الباب أمام “تكافؤ غير متماثل”، حيث تصبح المسيّرات أداة ردع ومناورة سياسية بامتياز.
لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الدعم السريع في طريقه لحسم المعركة، فالمشهد يميل نحو حرب استنزاف طويلة الأمد، تعمّق الانقسام الجغرافي، وتدفع السودان نحو سيناريوهات الانهيار أو التفتيت.
في ظل هذا التصعيد، تصبح محادثات السلام أبعد من أي وقت مضى، فالدعم السريع في موقع المنتصر معنويًا – حتى الآن – والجيش في حالة دفاع مضطرب، محملًا بأثقال أخلاقية تلزمه بتأمين حياة ملايين الناس الذين اختاروه ملاذًا بينما المدنيون غارقون في أتون المجاعة، مع أكثر من 25 مليون سوداني يواجهون انعدام الأمن الغذائي، وتوقف وصول المساعدات بعد استهداف ممراتها عبر بورتسودان.
وبلا شك المعاناة ستضاعف خاصة أن الهجوم على بورتسودان لم يكن ضربة عسكرية فقط، بل خطة ضغط اقتصادي ممنهجة، فالميناء الذي تمر عبره 80% من تجارة السودان شُل عمليًا وتراجع التبادل التجاري، وتضاعفت تكاليف الشحن، وبلغ التضخم 118%، والجنيه فقد 99% من قيمته منذ بداية الحرب، ببساطة، تحوّلت “ضربة مسيّرة” إلى قصف شامل لأساسيات حياة السودانيين المغلوبين على أمرهم والمطالبين طوعًا أو كرهًا بالانحياز لأحد أطراف هذا الصراع الدامي المستمر.
ما يجري في بورتسودان ليس مجرد امتداد للصراع العسكري، بل علامة على تحوّل في جوهر الحرب السودانية، من صراع على السلطة إلى صراع على وجود الدولة نفسها. ومع تدويل المواجهة ودخول الإقليم كطرف مباشر، يبدو أن السودان لم يعد فقط ساحة حرب داخلية، بل عقدة إقليمية قابلة للانفجار في وجه الإقليم والعالم.
فرغم أن جذور الصراع في السودان داخلية، ناتجة عن تفكك وضعف المؤسسة العسكرية لإهمال الإخوان المسلمين لها وسعيهم الدؤوب لإضعافها بشتى السبل مثل بناء أجسام عسكرية موازية لها، مما غزى طموحات المغامرين في السلطة والحكم وعملق العديد من الأقزام لتفكر في الوثوب على ظهر القوات المسلحة ليعتلوا عرش هذه البلاد المبتلاة.
بالعودة إلى الأيام التي سبقت الهجوم الشرس بالمسيرات على العاصمة الإدارية المؤقتة بورتسودان، نشر موقع “سودان تربيون” يوم الأحد الرابع من مايو خبرًا يقول فيه “أعلن الجيش السوداني، الأحد، عن تدمير طائرة شحن إماراتية وإمداد عسكري لقوات الدعم السريع، كما تحدث عن مقتل عناصر أجنبية خلال قصف طال مطار نيالا بولاية جنوب دارفور”. لتتوالى بعدها مؤشرات عديدة معضددة لخبر الموقع عالي المصداقية، إذ نعى الناعون طيارًا جنوب سودانيًا قيل إنه قتل في الهجوم بمطار نيالا، ومن ثم نعى آخرون طيارًا آخر من دولة كينيا أيضًا قتل في الحادثة ذاتها، وبمضاهاة المعلومات المنشورة مع ثلاثة من المصادر العسكرية والمدنية التي نثق بها توصلنا إلى أن الضربة التي حدثت في مطار نيالا في ليل السبت الثالث من مايو كانت فعلًا ضربة موجعة وكبيرة، وتمكنت القوات المسلحة بها من تدمير شحنة أسلحة مهمة، وقتلت عددًا من الأجانب. تقول الروايات غير المسنودة بمصادر ذات مصداقية عالية أن من بينهم إماراتيون، وترجح مصادر أخرى استنادًا على ما تلا ذلك من أحداث أن الضربة تمت بمسيرة تركية من نوع مزودة بصواريخ ذكية من نوع “بيرقدار TB2”
“MAM-L ve MAM-C’yi”
وتتميز هذه الصواريخ بحسب مصادرنا بالقدرة على إصابة النقطة المستهدفة من بعد ثمانية كيلومترات، وهي تقنية لا تتوفر لسلاح الجو السوداني مما يعني أن ضربة مطار نيالا المحصن تمت إن لم يكن من خارج السودان فبخبرات أجنبية يرجح أنها تركية، تلك الضربة الموجعة دفعت حلفاء الدعم السريع إلى رد انتقامي استهدف في المقام الأول الوجود التركي في بورتسودان المتمركز في قاعدة عثمان دقنة العسكرية، وما يزيد هذه الفرضية رجوحًا هو رصد العديد من المواقع المهتمة بحركة الطيران وصول طائرة إسعاف تركية قادمة من أنقرة مباشرة إلى مطار بورتسودان، ومكوثها لفترة قليلة ومن ثم عودتها من حيث أتت، مما يرجح إجلاءها لمصابين في الهجوم الذي لم يعلن عن وقوع خسائر بشرية فيه رغم إنه يعد الأعنف بالمسيرات منذ بدء الحرب في 15 أبريل 2023م.
نعم، رغم ذلك حتى الآن لا يمكن اختزال الحرب بأنها حرب بالوكالة فقط، بين دولة الإمارات وجمهورية تركيا لأنها ناتجة أيضًا عن فشل داخلي في إدارة الانتقال السياسي، لكن استمرار وبروز الدعم الخارجي يحولها تدريجيًا إلى صراع إقليمي بأدوات سودانية، مما يعقد الحلول أكثر مما هي معقدة، وكذلك اختزال التدخل فيها على هاتين الدولتين فقط يعتبر أمر مخلًا بما يجري على الأرض، فالطرفان يخوضان الحرب بإمكانات تسليحية وتقنية أكبر منهما بكثير.
ومن الواضح أن الجيش بتبنيه للمشروع الذي يسعى إلى تحقيقه الإخوان المسلمون من هذه الحرب ورث تلقائيًا عداوات مرحلة من النظام السابق
فهيمنة تيار الإخوان المسلمين على السياسة الخارجية خلال السنوات الماضية أدت إلى تصاعد العداء الإقليمي والدولي تجاه السودان، وبسبب ارتباطاتهم الأيديولوجية وشبكاتهم العابرة للحدود، تبنّت الدولة في فترات سابقة مواقف أثارت قلق عدد من الدول، خاصة في الإقليم العربي، مما أسهم في عزل السودان دبلوماسيًا وتوتر علاقاته مع محيطه.
ومع اندلاع الحرب الحالية، عاد التيار الإسلامي ليتصدر المشهد العسكري والسياسي تحت شعارات “تحرير الدولة من عرب الشتات” و”الحرب المقدسة”، وهو ما زاد من المخاوف الإقليمية والدولية من انزلاق السودان مجددًا إلى مشروع أيديولوجي يهدد استقرار المنطقة، فعوضًا عن تقديم خطاب جامع يعبر عن تطلعات السودانيين، بات الخطاب المتداول للحرب ذو طابع إقصائي وتحريضي، هذا الواقع يعزز من الانطباع بأن السودان بات رهينة لمشروع سياسي ضيق، وهو ما يدفع كثيرًا من الأطراف الإقليمية والدولية إلى الحذر وربما التورط بدعم قوى مناوئ، وحتى تلك التي يبدو لديها حرص على مؤسسات الدولة التقليدية وفق تقديرات أجهزتها الاستخبارية، جعلها تقدم رجلًا وتؤخر الثانية في دعم القوات المسلحة، ولعل أبرز مثال على ذلك أن جميع تلك الدول أحجمت عن المساهمة في إطفاء حرائق بورتسودان، وتسلط هذه الحادثة العزلة التي تعانيها القوات المسلحة السودانية وحكومة بورتسودان، والثمن الذي ينتظر أن تدفعه حال إصرارها على ربط مصيرها بهذا التنظيم المرفوض محليًا وإقليميًا ودوليًا.
تلك العزلة دفعت الأخيرة للاتجاه إلى دول تُعد في عرف المجتمع الدولي مارقة لاستجلاب الدعم العسكري واللوجستي مثل إيران، وبعض تسريبات غرف تنظيم الإخوان تتحدث عن كوريا الشمالية، وهذا ان حدث بلا شك سيحكم العزلة المضروبة الآن على الجيش السوداني، وسيدفع ثمنًا باهظًا، حيث باتت أقلام مؤثرة في قرار المجتمع الدولي تنتاشه بالفعل، ففي 4 مايو الماضي نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية مقالاً بعنوان “صعود داعش في السودان والتهديد المحتمل الذي يشكله على إسرائيل”
(ISIS rising in Sudan and the potential threat it poses to Israel)
حيث ورد فيه نصًا “لم يعد السودان مجرد ساحة معركة. إنه يتحول بسرعة إلى مركز إرهابي، يتمتع بموقع إستراتيجي بالقرب من الجناح الجنوبي لإسرائيل والممرات البحرية الحيوية في البحر الأحمر”.
يمكنك قراءة المقال الكامل عبر الرابط التالي:
https://www.jpost.com/opinion/article-852544
يستعرض المقال مخاوف إسرائيلية من تنامي النفوذ الإيراني في السودان، بما في ذلك استخدام ميناء بورتسودان كنقطة لوجستية لتسليح وكلاء إيران في إفريقيا، ويشير إلى أن هذا التطور قد يعيد رسم خريطة التهديدات الأمنية لإسرائيل من الجهة الجنوبية.
وسبق صحيفة “جيروزاليم بوست” موقع “كونسورتيوم نيوز”، المتخصص في التحليلات السياسية، الذي نشر مقالًا للكاتب روبرت إنلاكيش في 21 أبريل الماضي يقول فيه تغلغل إيران في السودان “زاد من المخاوف بشأن تنامي نفوذها هناك، لا سيما من جانب أبو ظبي وتل أبيب”.
وأشار الكاتب إلى أن من أبرز مخاوف إسرائيل أن يصبح السودان مجددًا مركزًا لنقل الأسلحة من الحرس الثوري الإيراني إلى جماعات مثل حماس وحزب الله، خاصة أن السودان كان في الماضي، بمثابة ممر لنقل الأسلحة إلى حماس”.
يمكنك مطالعة المقال كاملًا على الرابط أدناه
وبالنظر إلى أن حماس تلفظ أنفاسها في غزة وتحتاج إلى أنبوب تغذية ينقذها من الموت، وبالتطورات الأخيرة في لبنان وسوريا يصبح السودان الذي صعد فيه تنظيم الإخوان للمشهد مرة أخرى هو الأقرب لتوفير هذا الأنبوب، وهو ما جعل الدول التي تتخذ موقفًا سلبيًا من الجيش أو تلتزم الحياد في هذه الحرب أكثر بكثير من تلك التي تساند طرفًا على الآخر، فالدعم السريع رغم محاولاته المستميتة لتسويق نفسه كقوة ثائرة تسعى لإحلال الديمقراطية وتقبل بالحكم المدني القائم على العلمانية لم يجد سوقًا لتلك البضاعة لأنه مثقل بخطايا الماضي فالدول — سواء الإقليمية أو الغربية — لا ترغب في أن يكون الدعم السريع بديلاً للجيش السوداني لعدة أسباب إستراتيجية وأمنية، أبرزها فقدان الاحتكار الشرعي للقوة، فالدول عادةً تدعم وجود جيش وطني موحد لأنه يمثل الدولة، ويتمتع بشرعية دستورية ويخضع للمساءلة نسبيًا. أما قوات مثل الدعم السريع، فتنتمي إلى نموذج “الميليشيا”، وهو ما يعني ضعف السيطرة المركزية مما يعني صعوبة التنبؤ بالقرارات والمواقف التي يمكن أن تتخذها قيادته وارتفاع احتمالية الانفلات الأمني أو التصرفات خارج القانون الدولي.
كذلك ارتباط هذه القوات بتقارير واسعة حول ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في دارفور، الخرطوم، وغيرها جعل دعمهم كبديل للجيش يعطي إشارة سلبية ويحرج الدول أمام شعوبها ومنظماتها الحقوقية، كذلك تخشى العديد من الدول رغم موقفها من القوات المسلحة من سيطرة قوة مثل الدعم السريع، على بلد بحجم السودان، لأنها قد تصبح نموذجًا ملهمًا لمليشيات مشابهة في أفريقيا والشرق الأوسط، ما يهدد أنظمة قائمة ويشجع على عسكرة السياسة
إذًا الانقسام الدولي والإقليمي حيال الحرب في السودان قد يطول وسيطول معه أمد الحرب، وستشهد ساحة المعركة تبعًا لذلك صعودًا وهبوطًا، وستتقاطع مصالح العديد من اللاعبين الدوليين على أجساد الفقراء المتعبين من أهل السودان ما لم تنهض القوات المسلحة بدورها ويبر ضباطها بقسمهم الذي أدوه عند التخرج، وتنقي ثوبها من دنس منسوبي النظام السابق، وهو إلى الآن احتمال ضعيف للغاية في ظل القيادة الحالية على الأقل.
ومن كل ذلك نخلص إلى القول بالضرورة التصعيد غالبًا ما يعرقل محادثات السلام، إلا أنه يمكن في بعض الأحيان، وبشكل متناقض، أن يخلق ظروفًا لـ”طريق مسدود مؤلم” حيث يدرك كلا الجانبين أنهما لا يستطيعان تحقيق نصر صريح وتصبح تكاليف استمرار القتال لا تطاق، مما يجعلهما أكثر استعدادًا للتفاوض. ومع ذلك، قد لا يكون السودان قد وصل إلى هذه النقطة، أو قد يكون الدعم الخارجي يمنع ذلك. فهجمات قوات الدعم السريع على بورتسودان تمثل تصعيدًا كبيرًا وتُظهر قدرات جديدة، وتتعرض القوات المسلحة السودانية لضغوط متزايدة، لكنها تتعهد بمواصلة القتال. وتستمر الدعوات الدولية للسلام، لكن النفوذ يبدو محدودًا. ومع ذلك، إذا اعتقد كلا الجانبين (وداعموهما) أنهما لا يزالان قادرين على كسب المزيد عسكريًا، أو إذا لم يكن “الألم” كافيًا بعد، فمن المرجح أن يستمر التصعيد. ويبدو أن الوضع الحالي هو وضع يتزايد فيه الألم، ولكنه ليس بعد طريقًا مسدودًا معترفًا به من الطرفين حيث تكون المحادثات هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق، لذا الحرب في شكلها الجديد المدعوم علنًا بأطراف خارجية هي النسخة الثانية التي ينتظر منا معايشتها خلال الفترة المقبلة.