
بقلم : المستشار معاوية أبوالريش
تقف سلطنة عُمان شامخة على خارطة الوطن العربي كنموذج فريد للتطور المتوازن الذي يحافظ على الهوية والأصالة. هذه الأرض الطيبة التي تمتد سواحلها على بحر العرب والخليج العربي، استطاعت أن تصنع لنفسها مكانة مرموقة بين دول العالم، لتصبح منارة للتسامح والتعايش، ومركزاً للحضارة المعاصرة التي تستلهم عراقة الماضي وتستشرف آفاق المستقبل.
” الشعب العُماني: روح التسامح وكرم الضيافة”
يتميز الشعب العُماني الشقيق بخصال فريدة جعلته من أطيب الشعوب العربية والإسلامية قاطبة. فالتسامح والكرم وحسن التعامل هي سمات راسخة في طباعهم، منحت المغتربين والوافدين إليها شعوراً بالانتماء وليس بالغربة. فلا عجب أن تجد الجاليات المختلفة تعيش في تناغم وانسجام على أرض السلطنة، تحظى بالتقدير والاحترام من أهل البلاد الأصليين.
يلمس الزائر لسلطنة عمان هذه الروح الطيبة في تعاملات الناس اليومية، في الأسواق والشوارع والمؤسسات، ليشعر بدفء العلاقات الإنسانية التي قلما توجد في الكثير من المجتمعات المعاصرة. هذا الشعب المثقف والمستنير، الذي يعي حجم إرثه الحضاري الضارب في القدم، استطاع أن يحافظ على أصالته مع انفتاحه على معطيات العصر الحديث.
” النهضة العُمانية المباركة: قصة وطن وقائد”
شهدت سلطنة عُمان نهضة شاملة منذ عام 1970 بقيادة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الذي حمل على عاتقه مسؤولية النهوض بوطنه رغم التحديات الجغرافية والطبيعية. تحدى الجبال والوديان والصحاري، فشق الطرق وأقام الجسور، وأسس البنية التحتية الحديثة التي أصبحت اليوم مفخرة للسلطنة.
لم تقتصر رؤية السلطان الراحل على العمران المادي، بل امتدت لتشمل بناء الإنسان العُماني، فأنشأ المدارس والجامعات والمستشفيات، وعمّر المساجد على أرقى الطرازات المعمارية، وأولى اهتماماً خاصاً بقضايا المرأة والشباب، ليكون المواطن العُماني رأس الرمح في مسيرة التنمية.
وبعد رحيل باني النهضة، واصل جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- المسيرة بذات النهج والرؤية، ليعزز مكانة السلطنة إقليمياً ودولياً، مع تطوير استراتيجيات جديدة تواكب متغيرات العصر وتحدياته.
” الأمن والاستقرار: ركيزة التنمية المستدامة”
تُعد سلطنة عُمان واحة للأمن والاستقرار في منطقة مضطربة، فالأمان الذي يشعر به المواطن والمقيم والزائر على حد سواء لا يمكن مقارنته بأي مكان آخر. يستطيع المرء التجول في شوارع مسقط أو صلالة أو نزوى في ساعات الليل المتأخرة دون أدنى شعور بالخوف أو القلق.
هذا الاستقرار الأمني ليس وليد الصدفة، بل نتاج لسياسة حكيمة تنتهجها السلطنة داخلياً وخارجياً، قائمة على مبادئ العدل والمساواة ومكافحة الفساد وترسيخ سيادة القانون، إضافة إلى انتهاج سياسة خارجية متوازنة جعلت من عُمان وسيطاً موثوقاً به في العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
” التنوع الاقتصادي: خطوات واثقة نحو المستقبل”
أدركت سلطنة عُمان منذ وقت مبكر أهمية تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمورد وحيد للاقتصاد. لذا، اتجهت نحو تطوير قطاعات حيوية كالسياحة والصناعة والتعدين والزراعة واللوجستيات، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي على مفترق طرق التجارة العالمية.
تبنت السلطنة “رؤية عُمان 2040″ كخارطة طريق لمستقبل أكثر ازدهاراً، تقوم على الابتكار والمعرفة وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، وقد بدأت تؤتي هذه الاستراتيجية ثمارها من خلال المشاريع العملاقة كميناء الدقم ومدينة مسقط الاقتصادية وغيرها من المشاريع التنموية.
” السياحة العُمانية: كنوز طبيعية وتراثية فريدة”
تمتلك سلطنة عُمان مقومات سياحية استثنائية تجمع بين جمال الطبيعة وعراقة التاريخ. فمن الشواطئ الساحرة والوديان الخضراء إلى الجبال الشاهقة والصحاري الذهبية، تقدم السلطنة تجربة سياحية متنوعة تناسب مختلف الأذواق.
أولت الحكومة العُمانية اهتماماً خاصاً بالسياحة كرافد اقتصادي مهم، فأنشأت المنتجعات الفاخرة والمتاحف العصرية، وحافظت على مواقعها التراثية كقلاع ومساجد وأسواق تقليدية، مع تطوير البنية التحتية السياحية لتقديم خدمات تضاهي أفضل المعايير العالمية، كل ذلك مع الحرص على عدم المساس بهوية المكان وخصوصيته الثقافية.
” التعليم والصحة: استثمار في الإنسان”
آمنت القيادة العُمانية بأن الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان، فأولت قطاعي التعليم والصحة عناية فائقة. انتشرت المدارس والمعاهد والجامعات في ربوع السلطنة، وتم ابتعاث الآلاف من الطلبة العُمانيين للدراسة في أرقى الجامعات العالمية.
كما تطور القطاع الصحي بشكل ملحوظ، فأصبحت السلطنة تمتلك مستشفيات ومراكز طبية متخصصة مجهزة بأحدث التقنيات، تقدم خدمات علاجية متقدمة لجميع المواطنين والمقيمين، وأصبحت مقصداً للسياحة العلاجية في المنطقة.
” الحفاظ على البيئة: تنمية مستدامة”
تبنت سلطنة عُمان سياسات صديقة للبيئة في جميع مشاريعها التنموية، فأنشأت المحميات الطبيعية لحماية التنوع البيولوجي، واستثمرت في مشاريع الطاقة المتجددة والنظيفة، واهتمت بترشيد استهلاك المياه ومكافحة التصحر.
هذا الاهتمام بالبيئة جعل من السلطنة نموذجاً يحتذى به في التنمية المستدامة، وحصدت جوائز عالمية في مجال حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
” المرأة العُمانية: شريك أساسي في التنمية”
حظيت المرأة العُمانية بمكانة مرموقة في المجتمع، وأصبحت شريكاً أساسياً في مسيرة التنمية. تبوأت المرأة في عُمان مناصب قيادية في مختلف المجالات، وشاركت بفعالية في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
شغلت المرأة العُمانية مناصب وزارية وديبلوماسية، ودخلت مجالس الشورى والدولة، وأثبتت كفاءتها في قطاعات الأعمال والتعليم والصحة والقضاء وغيرها، لتثبت أن تمكين المرأة هو تمكين للمجتمع بأسره.
” العلاقات الدولية: دبلوماسية متوازنة وحكيمة”
اتسمت السياسة الخارجية العُمانية بالحكمة والاتزان، فانتهجت مبدأ “صديق للجميع وعدو لا أحد”. هذا النهج الدبلوماسي المتميز جعل من السلطنة وسيطاً مقبولاً من الأطراف المتنازعة، وأكسبها احتراماً دولياً واسعاً.
حرصت عُمان على إقامة علاقات طيبة مع جميع دول العالم على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، كما لعبت دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر وحل النزاعات في المنطقة.
تقف سلطنة عُمان اليوم شامخة بين الأمم، تنظر إلى المستقبل بثقة وتفاؤل، مستندة إلى إرث حضاري عريق وإنجازات تنموية متميزة. لقد استطاعت هذه الدولة الفتية أن تصنع لنفسها مكانة مرموقة على الساحة الدولية، وأن تقدم نموذجاً يحتذى به في التنمية المتوازنة التي تحافظ على الهوية وتواكب روح العصر.
ستظل سلطنة عُمان، بقيادتها الحكيمة والرشيدة وشعبها الطيب وإمكاناتها الواعدة، لؤلؤة الشرق المتألقة التي تجمع بين أصالة الماضي وتطلعات المستقبل، وستبقى واحة للأمن والاستقرار والتعايش في منطقة مضطربة، تنشر قيم التسامح والسلام في العالم أجمع.