
#مهيد شبارقة
منذ استقلاله عام 1956ظل السودان أسيرًا لصراع مزمن بين /#مشروع الدولة المدنية الديمقراطية من جهة و/#سلطة الانقلابات العسكرية من جهة أخرى.
ولم يكن مخطط هذا الصراع مجرد صراع على السلطة بل على طبيعة الدولة نفسها: #هل تحكمها إرادة الشعب وقيم الشفافية والمحاسبة؟؟؟أم تتحكم فيها البندقية باسم الاستقرار..؟
وبين هاتين الرؤيتين تاهت أجيال ودفنت مشاريع تنموية عظيمة واندلعت حروب لم تنطفئ جذوتها حتى اليوم…!!!
قسلطة العسكر:
وعود بالحزم وواقع من الانغلاق والدمار
لطالما قدّم العسكر أنفسهم في السودان كمنقذين في لحظات الأزمات لكن الوقائع التاريخية تكشف أن معظم الانقلابات جاءت لإجهاض مسارات مدنية واعدة لا لإنقاذ البلاد.
فانقلاب الفريق /إبراهيم عبود عام 1958 وهو أول حكم عسكري في السودان أطاح بأول حكومة وطنية مدنية واستمر حتى انتفض الشعب ضده في ثورة أكتوبر 1964.
#أما انقلاب المشير/جعفر نميري عام 1969 فبدأ بوعود اشتراكية لكن سرعان ما تحوّل إلى حكم شمولي قمعي تميز بتقلبات فكرية وقرارات كارثية مثل:
#فرض قوانين سبتمبر 1983 والتي كانت سببًا رئيسيا في إعادة إشعال الحرب الأهلية في الجنوب..!!
غير أن النموذج الأشد وطأة كان انقلاب الجبهة القومية (#الترابي/عمر البشير) في 1989والذي أنهى الديمقراطية الثالثة وأدخل البلاد في ثلاثين عامًا من الحكم الشمولي المدعوم أيديولوجيًا من تيارات الإسلام السياسي.
وفي ظل هذا النظام، شهد السودان:
١/#انفصال الجنوب عام 2011 بعد عقود من الحرب.
٢/#حروب دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق التي خلّفت آلاف القتلى وملايين النازحين بالمعسكرات.
٣/#عزلة دولية، وعقوبات اقتصادية أنهكت الاقتصاد الوطني.
٤/#فساد مستشري أطاح بمؤسسات الدولة وجعلها أداةً في يد النظام الديكتاتوري.
بل وحتى بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالبشير في أبريل 2019لم تتوقف طموحات العسكر في السيطرة على سلطة البلاد ومواردها
#فجاء انقلاب أكتوبر 2021 بقيادة الفريق أول /عبد الفتاح البرهان وشريكه /#محمد حمدان ليقوّض الشراكة الانتقالية ويفتح البلاد على #أسوأ صراع مسلح داخلي منذ الاستقلال خاصة بعد اندلاع الحرب العبثية بين الجيش والدعم السريع في 2023والتي شردت الملايين ودمّرت العاصمة الخرطوم.
#المدنيون:
فرص ضائعة… ولكنها واعدة:
في المقابل لم تمنح التجارب المدنية الفرصة الكافية للنضج لكنها رغم ذلك قدّمت دلائل مهمة على أن #طريق الديمقراطية وإن كان شاقًا فهو الأقل كلفة.
فأول تجربة مدنية جاءت مع الاستقلال بقيادة /#إسماعيل الأزهري وشهدت تأسيس المؤسسات الوطنية ومحاولات لبناء مشروع ديمقراطي لكنها سقطت سريعًا تحت ضغط الخلافات الحزبية…!!
وبعد ثورة أكتوبر 1964عادت الديمقراطية لفترة قصيرة تميّزت بانفتاح سياسي وحراك شعبي كبير وتأسست فيها نقابات فعالة وصحف حرة وبرزت فيها قضايا الهوية واللامركزية في الخطاب العام لكن أيضاً انتهت بانقلاب عسكري بقيادة نميري…!!
#أما التجربة الثالثة بقيادة الصادق المهدي (1986–1989) فقد شهدت توقيع اتفاق الميرغني–قرنق والذي فتح باب الأمل لإنهاء الحرب في الجنوب.
#كما عادت الحياة النقابية والحزبية لوضعها الطبيعي وتوسعت الحريات العامة نهم لكن الاقتصاد المتدهور والانقسامات السياسية
جعلت هذه التجربة هشة وأعطت الجبهة القومية بقيادة /#حسن الترابي الذريعة للانقضاض عليها عبر شراكة خفية مع العسكر…!!!
ورغم قصر هذه الفترات فإنها لم تشهد حروبا داخلية طاحنة ولا عمليات إبادة جماعية علنية ولا فسادًا ممنهجا كما حدث في ظل الأنظمة العسكرية.
بل كانت قابلة للإصلاح ومفتوحة للمحاسبة الشعبية.
#فالفرق ليس في الأشخاص… بل في طبيعة الحكم فالفرق الجوهري بين الحكمين المدني والعسكري لايكمن في أسماء القادة أو التيارات بل في طبيعة الحكم نفسه.
#فالحكم المدني:
يستمد شرعيته من الشعب ويقوم على التعددية وتداول السلطة والفصل بين السلطات والمساءلة.
#أما الحكم العسكري:
فيستمد شرعيته من القوة ويميل إلى تركيز السلطة في يده وإسكات صوا المعارضة بشتى السبل الجمعية وتغييب دور المؤسسات المستقلة.
ولذلك فإن الأخطاء في النظام المدني تتحاسب وتتعالج بينما أخطاء الحكم العسكري تتبرّر وتقمع وغالبًا ما تتضخم حتى تتحول إلى كوارث يدفع الوطن وشعبه ثمنها.
#الطريق إلى الأمام:
لا بديل عن الدولة المدنية الا الدولة المدنية بالحكم الديمقراطي.
ولقد أثبت التاريخ أن الحكم العسكري في السودان لم يحقق:
لا وحدة وطنية
ولا تنمية مستدامة
ولا أمنًا حقيقيًا.
وفي المقابل رغم كل تعثراتها فإن الحكم المدني ظل أفقا مفتوحا يحمل في داخله بذور التصحيح والتطور.
#الخلاصة:
إن الدولة المدنية ليست مجرد حلم نخبوي بل ضرورة وجودية ولا يمكن إعادة بناء السودان بعد الحرب إلا على أسس حكم مدني ديمقراطي تشارك فيه كل فئات المجتمع وتحترم فيه إرادة الشعب وتفصل فيه السلطات وتحمى فيه الحقوق والحريات فالسودان لا يحتاج إلى قائد عسكري منقذ #بل إلى عقد تكوين اجتماعي جديد يؤسس لحكم دولة القانون والعدالة والمواطنة والتنمية.