رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

منتصب القامة أمشي”… أغنية المقاومة التي لم تمت

منتصب القامة أمشي” هي واحدة من أبرز الأغاني العربية التي جسدت وجع فلسطين وصمود شعبها، بصوت وألحان الفنان اللبناني مارسيل خليفة، وكلمات الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم. أغنية تختصر في كلماتها مشهدًا يوميًا يتكرر في غزة: أهلٌ يمشون مرفوعي الرأس وعلى أكتافهم نعوشهم، يواجهون الإبادة بصمت العالم وخنوعه المريب، رغم تصاعد الوعي العالمي ضد العنصرية والقتل الممنهج الذي تمارسه إسرائيل ضد الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ، لا ذنب لهم سوى رغبتهم في الحياة بسلام فوق أرضهم.

هذه الأغنية الخالدة:

“منتصبَ القامةِ أمشي

مرفوع الهامة أمشي

في كفّي قُصفةُ زيتونٍ

وعلى كتفي نعشي

وأنا أمشي وأنا أمشي…”

ليست مجرد نصٍ شعري أو أغنية؛ بل تجسيدٌ للواقع الفلسطيني، وصدىً لما تعانيه الشعوب العربية، وخاصة في غزة. كلماتها محفورة في ذاكرة المقاومة العربية، وفي الوجدان الجمعي كوثيقة أدبية وفنية لواحد من أكبر جراح العرب والمسلمين في العصر الحديث: فلسطين.

أما صاحب هذه الكلمات، سميح القاسم، فهو شاعر المقاومة الفلسطينية بلا منازع. شكَّل شعره بصمة متفردة في المشهد الشعري العربي الحديث، وتميّز بغزارته ووعيه ومواكبته لتحولات الزمن، ما جعله محور اهتمام نقدي واسع عربياً وعالمياً. تُرجمت أعماله لعدد كبير من اللغات، ونال جوائز عربية وعالمية، وكان من القلائل الذين ظهرت في نصوصهم ملامح ما يُعرف بـ”ما بعد الحداثة”.

لقّبه النقاد بـ”شاعر المقاومة الفلسطينية”، ووصفه الناقد المصري رجاء النقاش بـ”شاعر الغضب الثوري”. ومع كوكبة من شعراء فلسطين أمثال الراحل محمود درويش، ظل سميح القاسم يسجّل عبر قصائده وقودًا لإذكاء روح المقاومة، ورفضًا لمحاولات تمييع الصراع أو محو تاريخه من ذاكرة الأجيال.

واليوم، وفي ظل استشراء محاولات تغييب وعي الشعوب وتشويه الرواية، نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى استعادة أدب المقاومة العادلة. ليس بوصفه خطاب عنف، بل باعتباره وعياً إنسانياً وحقاً تاريخياً وأدباً راقياً يمكنه أن يجذب الأجيال لفهم الذات والآخر، واتخاذ موقف عادل، متزن، لا يخلو من كرامة، ولا يتورط في الكراهية المجردة.

ففي زمن الفراغ الفكري الذي يملأ الإعلام الحديث، ووسط انهيار كثير من المنابر التي كانت حاملة للقضية، يجب أن يظل أدب المقاومة بوصلةً للشباب، ومنارةً تنير دربهم نحو العدالة والحرية والمعرفة، بدلاً من تركهم فريسة للجهل والتضليل.

وها هو نص القصيدة التي برع مارسيل خليفة في أدائها، فجعل منها نشيدًا أبديًا للمقاومة:

نص القصيدة

منتصبَ القامةِ أمشي

مرفوع الهامة أمشي

في كفّي قُصفةُ زيتونٍ

وعلى كتفي نعشي

وأنا أمشي وأنا أمشي

قلبي قمرٌ أحمر

قلبي بستان

فيه العوسج

فيه الريحان

شفتايَ سماءٌ تمطر

نارًا حينًا.. حبًا أحيان

في كفّي قُصفةُ زيتونٍ

وعلى كتفي نعشي

وأنا أمشي وأنا أمشي

زر الذهاب إلى الأعلى