
بقلم: صدام عبدالعزيز – ناشط سياسي وباحث اجتماعي
مقدمة
من القضايا التي حيّرت الفلاسفة والمفكرين عبر العصور: لماذا يرفض بعض الناس الحرية، رغم أنها فطرة مغروسة في النفس البشرية، ويقبلون الذل والخضوع كأنهما قدر محتوم؟
هل هو الخوف؟ أم الجبن؟ أم الجهل؟ أم أن هناك عوامل أعمق تفسّر هذا السلوك البشري الغريب؟
في هذا المقال نحاول تفكيك هذه الظاهرة، وفهم أبعادها النفسية والاجتماعية والتاريخية.
أولاً: الخوف كعامل مركزي
الخوف بلا شك أحد أقوى دوافع الاستسلام للذل.
فالإنسان الذي ينشأ في بيئة قمعية ويتعرض للترهيب منذ الطفولة، غالباً ما يصاب بـ”شلل الإرادة”.
يرى في الحرية تهديداً، لأنها تتطلب المواجهة، والمواجهة تعني احتمال العقاب أو العزلة أو حتى الموت.
الخوف لا يصنع الجبن فقط، بل يبرمج الإنسان على أن الطاعة – ولو كانت مذلة – هي السبيل الوحيد للبقاء.
ثانياً: الجهل وغياب الوعي
الجهل يطفئ الرغبة في التغيير.
فالجاهل قد لا يدرك أنه خاضع لظلم أو عبودية فكرية أو سياسية، بل ربما يعتبر ذلك “النظام الطبيعي”.
حين يغيب الوعي، يغيب الإحساس بالكرامة، ويتحول الإنسان إلى أداة في يد من يسيطر عليه.
لهذا كان أول ما يحاربه الطغاة عبر التاريخ هو التعليم والتفكير النقدي.
ثالثاً: التكيف مع العبودية
الحرية ليست مجرد مطلب، بل مسؤولية.
والكثيرون يخشون هذه المسؤولية، ويفضلون الراحة في ظل العبودية.
يقال: “العبد الذي لا يدرك عبوديته سيقاتل من أجل سلاسله”.
ذلك لأنه اعتاد على الذل حتى صار نمط حياة، يجد فيه استقراراً وأماناً.
رابعاً: المصالح الشخصية والانتهازية
ليس كل من يقبل الذل يفعل ذلك بدافع الخوف أو الجهل.
بعضهم يرى في طاعة المستبد وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية: مال، جاه، نفوذ.
الخنوع هنا ليس ضعفاً، بل مصلحة انتهازية تُلبس بثوب “الواقعية السياسية” أو “الحكمة الاجتماعية”.
خامساً: التنشئة الاجتماعية والتربية
الإنسان الذي نشأ على الطاعة العمياء واحترام السلطة بلا نقاش، غالباً ما يكون مهيأً لقبول القهر دون تمرد.
الأسرة، والمدرسة، والمؤسسة الدينية المؤدلجة، كلها قد تزرع في النفس استعداداً لقبول الظلم باعتباره فضيلة أو واجباً.
الخلاصة
الذل ليس قدراً، والحرية ليست حلماً مستحيلاً.
لكنها تحتاج إلى وعي، وشجاعة، وإرادة حقيقية.
فهم الأسباب التي تدفع البعض إلى تفضيل العبودية هو الخطوة الأولى نحو تحريرهم.
إن مسؤوليتنا كمثقفين وناشطين لا تقتصر على مواجهة المستبد، بل تمتد إلى تحرير النفوس من الداخل، وزرع الوعي الذي يصنع الكرامة.