
* رضوان علي الحسن
في أزقة أوديني العتيقة، حيث تختلط رائحة التاريخ برائحة العشب الطازج، عاد “بيليه الأبيض” ليخطو من جديد على الأرض التي احتضنت أسطورته الإيطالية. عاد **زيكو**، الساحر البرازيلي ذو اللمسة الذهبية والقدم الساحرة، ليحيي ذكريات مجيدة مع نادي **أودينيزي**، في لقاء حميم نظمه الصحفي الشهير فيديريكو بوفا، جمع الأبطال القدامى تحت سقف واحد من الحنين والاحترام.
لم تكن سنوات زيكو في فريولي (1983-1985) مجرد فصل عابر. كانت انفجاراً للجمال الكروي. **53 مباراة، 30 هدفاً** – أرقام تتحدث عن سيل جارف من الإبداع في قلب الكالتشيو الصارم. كان وسطاً هجومياً ينسج المباريات بخيوط من ذهب، صانع ألعاب بموهبة ساحرة، وقائد بأخلاق عالية. تسديداته الحرة الشهيرة، “تسديدة الموزة” أو *الـ”بانانا شوت”* البرازيلية، كانت لوحات فنية تتحدى قوانين الفيزياء، تترك الحراس والحائط الصحي في حالة ذهول.
لكن شوكة صغيرة بقيت في قلب الملك. لماذا لم يُتوَّج هذا الجمال بلقب؟ يتذكر زيكو بحسرة:
> “الفريق عانى كثيراً بعد اعتزال **فرانكو دال سين**. شيء ما انكسر في غرفة الملابس. أنا متأكد، لو بقي فرانكو، لكنا أبطالاً ذلك العام. كنا فريقاً قوياً حقاً، مزيجاً رائعاً من الشباب والقدامى: أنا، **كوزيو**، **جالبارولي** (المدافع الذي كان من الصعب تجاوزه حتى في التدريبات!)، و**فراري** المدرب المثالي. إنه لمن العار دائماً ألا أرفع كأساً بهذا القميص الجميل.”
وإذا بالحديث ينقلب إلى ذكرى أخرى، أكثر إثارة، مع شيطان كروي آخر، أسطورة متوجة بيد إلهية وأخرى شيطانية: **دييغو أرماندو مارادونا**. في أوديني نفسها، تصادم العبقريان. يتذكر زيكو المباراة ضد نابولي ومارادونا بلهجة تخلط بين الدهشة الرياضية والمرح الآن:
> “دييغو **سرق المباراة في أوديني**! في تلك المناسبة، ثارت ثائرتي، ليس معه كثيراً، بل مع الحكم **بيراندولا**. كيف لا يرى ذلك الهدف **باليد**؟! كان واضحاً! صحيح! ومن المستحيل أن مساعد الحكم لم يرَ شيئاً! وكان هناك تسلل أيضاً!”
> ثم يضيف زيكو مبتسماً، كاشفاً عن محادثة لاحقة مع الأسطورة الأرجنتينية: “بعد سنوات، أخبرت دييغو أنه **تدرب على ‘اليد الإلهية’ مما جعل الأرجنتين تفوز ببطولة العالم**!” كلمات تختزل التنافس الأسطوري والاحترام المتبادل بين عملاقي أمريكا الجنوبية.
### من أحياء ريو إلى عرش العالم: رحلة بيليه الأبيض
لم يأتِ هذا السحر من فراغ. بدأ أرثر أنتونيوس كويمبرا الملقب بـ **زيكو** (3 مارس 1953، ريو دي جانيرو) من أسرة متوسطة، حاملاً حلم الملايين في البرازيل. انضم لـ**فلامينغو** وهو هزيل الجسم، لكن إرادة فولاذية وبرنامج تدريبي قاسٍ تحت إشراف خوسيه روبيرتو فرانسالاشي حولته إلى آلة كروية متكاملة.
مع “المنغو” (فلامينغو)، صنع التاريخ:
* **ألقاب محلية**: 6 بطولات لريو دي جانيرو (72, 74, 78, 79, 81, 86)، 4 بطولات برازيلية (80, 82, 83, 87).
* **ألقاب قارية وعالمية**: **كأس ليبرتادوريس 1981**، و**كأس الإنتركونتيننتال 1981** (كأس العالم للأندية آنذاك).
* **أرقام مذهلة**: أكثر من 500 مباراة، قادها بتسديداته المستحيلة، وتمريراته القاتلة، وتنفيذه الساحر للركلات الثابتة.
مع **المنتخب البرازيلي** (72 مباراة / 52 هدفاً)، كان نجم ثلاثة كؤوس عالم (78، 82، 86). يُعتبر **منتخب 1982** الذي ضم زيكو وسقراط وفالكاو وغيرهم من الأساطير، رغم خروبه المبكر، أحد أفضل الفرق في تاريخ كرة القدم لجمالها الهجومي الطاغي. في مونديال 1986، واجهت البرازيل فرنسا في مباراة أسطورية. أضاع زيكو *ضربة جزاء* في الوقت الأصلي (تسجيلها كان يعني الفوز والتأهل)، لتنتهي بالتعادل 1-1 وتخرج “السيلساو” بركلات الترجيح، رغم تسجيل زيكو لركلته.
### إرث لا يمحى: ساحر تحول إلى صانع أبطال
حمل زيكو بعد الاعتزال روح الفنان إلى عالم التدريب، قاد أندية مثل سيسكا موسكو وأولمبياكوس، ونجح بشكل لافت مع **المنتخب الياباني**، قاده للتتويج **بكأس آسيا 2004**، ناقلاً لهم بصمته في الجمال والدقة الهجومية.
عندما يتحدث زيكو في أوديني، لا يتحدث مجرد لاعب سابق. يتحدث **شاهد على عصر ذهبي**، حيث كانت الكرة شعراً يروى بالأقدام، وكانت المنافسة بين العمالقة مثل زيكو ومارادونا دراما إنسانية تعلو فوق مجرد فوز أو خسارة. عاد الساحر إلى حيث أسر القلوب الإيطالية، ليذكرنا أن بعض النجوم لا يغيبون، نورهم يتوهج في ذاكرة كل من رأى السحر بعينه. شكراً أيها البيليه الأبيض، على كل الجمال الذي منحته للعبة الجميلة.