
في خطوة وُصفت بأنها تحول نوعي في قطاعي الطيران والدفاع الصيني، أعلنت بكين عن تحقيق تقدم كبير في تكنولوجيا الرادارات العسكرية، بعدما نجحت في مضاعفة مدى كشف رادار مقاتلتها الشبحية من الجيل الخامس J-20 “التنين الجبار” إلى ثلاثة أضعاف. ويُعزى هذا الإنجاز إلى دمج شريحة سيليكون كربيد (SiC) متطورة محلية الصنع، طوّرها فريق علمي بقيادة البروفيسور شو شيانغانغ، أحد أبرز الأسماء في مجال المواد وأشباه الموصلات في الصين.
وجاء الإعلان عبر القناة الرسمية لجامعة شاندونغ في 30 مايو، حيث كشفت الجامعة أن الشريحة الجديدة تُستخدم حالياً في نظام الرادار KLJ-5 من نوع AESA العامل بتقنية الصفيف النشط، والمثبت على المقاتلة J-20. ويُعد هذا التقدم مؤشراً واضحاً على تطور القدرات التقنية الذاتية للصين، وسط قيود غربية خانقة على تصدير هذه التكنولوجيا الحيوية.
وتتميز مادة السيليكون كربيد، المعروفة منذ أواخر القرن التاسع عشر، بخواص إلكترونية وحرارية فريدة مثل التوصيل الحراري العالي، والقدرة على تحمل الجهد العالي، وانخفاض فاقد الطاقة، مما يجعلها مثالية للاستخدام في الأنظمة الإلكترونية عالية الأداء. وقد اعتمدت الولايات المتحدة على هذه التقنية في أنظمة متطورة مثل مقاتلات F-35 ومنظومات الدفاع الصاروخي THAAD، بينما كانت الصين حتى وقت قريب تعتمد على مصادر أجنبية محدودة في هذا المجال.
وبحسب تصريحات شو، الذي يترأس معهد أشباه الموصلات المتقدمة والمختبر الوطني لمواد البلورات بجامعة شاندونغ، فإن الفريق الصيني تمكن بعد عقدين من الأبحاث من إنتاج شرائح SiC نقية وعازلة للكهرباء بجودة تناسب التطبيقات العسكرية المتقدمة. وقال في مقطع فيديو بثته الجامعة: “قبل عشرين عامًا، لم نكن نملك حتى القدرة على إنتاج ركيزة تستوفي الحد الأدنى من المعايير. اليوم، بات بإمكاننا التحكم بدقة في نمو هذه المادة وجودتها”.
ويُعد هذا التطور في الصين بمثابة اختراق استراتيجي لا يقتصر على الأبعاد التقنية فحسب، بل يتجاوزها إلى اعتبارات الأمن القومي والتنافس الجيوسياسي، خصوصاً في ظل التوترات المتصاعدة مع الولايات المتحدة وحلفائها في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان.
رادار KLJ-5، الذي تنتجه مؤسسة أبحاث الإلكترونيات في نانجينغ، يعمل في نطاق تردد X-Band ويتميز بقدرته على تتبع عشرات الأهداف في آنٍ واحد مع الحفاظ على خصائص الشبحية من وسائل الرصد والاعتراض. وقد كان مداه يُقدّر بنحو 300 كيلومتر قبل إدخال شريحة SiC، إلا أن التقديرات الصينية الجديدة تشير إلى أنه بات قادراً على كشف أهداف بحجم مقاتلة من مسافة تتراوح بين 600 و700 كيلومتر، ما يجعله قابلاً للمقارنة مع رادارات AESA على مقاتلات F-22 وF-35 الأميركية، وربما يتفوق عليها في بعض السيناريوهات.
هذا التفوق في القدرة الرادارية يمنح J-20 ميزة استراتيجية في القتال الجوي، حيث يُمكنها رصد وتتبع الأهداف الجوية من مسافات بعيدة دون أن تُكتشف، ما يتيح لها تنفيذ اشتباكات بعيدة المدى باستخدام صواريخ PL-15 وPL-17، التي يُعتقد أن مداها يتجاوز 300 كيلومتر، مما يعزز قدرتها على تنفيذ ضربة أولى ضد طائرات أميركية أو يابانية في أي مواجهة محتملة.
ولا تقتصر الترقية التي حصل عليها رادار KLJ-5 على تعزيز مدى الكشف، بل شملت أيضاً تحسين دقة توجيه الصواريخ، وزيادة فعالية أنظمة الأسلحة الليزرية، ورفع قدرة الرادار على العمل بكفاءة في بيئات الحرب الإلكترونية وتحت ظروف الضغط الحراري العالي.
وفي ختام بيانها، أكدت جامعة شاندونغ أن هذا التطور لا يمثل مجرد إنجاز هندسي، بل يعتبر “درعاً وطنياً ضرورياً” لحماية منصات الصين العسكرية المتقدمة، في إشارة إلى الأبعاد الاستراتيجية والردعية العميقة لهذا الاختراق التكنولوجي.