
اذكر وقد كنا وقتها شبابا مفتونين بنجوم السينما والغناء المصري بشغف كان يخلب البابنا الحالمة بالحياة الوردية التي نتمنى ان نعيشها في واقعنا كما نراها في الشاشة الفضية .
و من الاحداث الصادمة لنا وكان ذلك في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي متابعتنا للحالة المرضية النادرة لمطربنا المحبوب الفنان عبد الحليم حافظ والتي وصفت بالغرابة وحيرت اطباءه المعالجين في اروبا ذات نفسهاحتى افضت إلى وفاته المساوية ..فقد ادت تداعيات مرض البلهارسيا الذي لازمه طويلا إلى جلطة في ساقه و في ذات الوقت تسببت في احداث نزيف في معدته .
فتعقدت حالة المعالجة بمقاييس العلم الممكنة في تلك الفترة ..فعلاج الجلطة سيؤدي بالطبع إلى زيادة نزيف المعدة و محاولة ايقاف ذلك النزيف سيزيد من جلطة الساق ..فمات الفنان الشاب ماسوفا على إبداعه ..عليه الرحمة والمغفرة من لدن المولى اللطيف العزيز.
مناسبة هذا الشبال ذكرتني بها حالة الحكم وازمته في سوداننا الحبيب التي تشبه تلك المعادلة الصعبة اعلاه ..لاسيما بعد تعقيدات الوضع جراء هذه الحرب اللعينة
فهي ازمة ذات بعدين احدهما يمثل تجلط الساق الداخلية التي تجمدت في عروقها الدماء بالقدر الذي حير اطباء الفهم السياسي و اعجز مقدرات الوعي المعرفي لإيجاد العلاج المناسب لتلك الجلطة .
والبعد الآخر وهو نزيف المعدة الذي يتدفق في عزلة الوطن التي تطاولت امادها بين التعنت الايدلوجي الحالم بتغيير العالم او على الاقل قلب الموازين في الإقليم المحيط دون إدراك تام لطبيعة العلاج الممكن لذلك الامر ..ليسقط الوطن في تلك الهوة العميقة التي تتباعد طرفاها بين فريقين احدهما يقول بصريح العبارة إنه لن يسمح لمن حرك الشارع ضده لإنهاء حكم كان من المفترض ان يسلم لعيسى بالعودة إلى مجرد تراب الوطن وليس لكراسي الحكم .
وبين فريق يمتلك القدرة على الحركة الخارجية التي تزيد من تداعيات التجلط والتيبس الداخلي الذي يحاول من وقف حمارهم في عقبة تصحيح المسار إلى الاستعانة بطبيب لا هو صاحب خبرة في معرفة اسباب نزيف المعدة ولا هو يملك القدر الكافي لفك جلطة الساق الداخلية وقد يصبح في نهاية لهثه في تعقب من يعاونوه كمن القي به في اليم مكتوفا وقيل له اياك اياك ان تبتل بماء الاحزاب او تتلوث بطين العسكر !
ويبقى حال شعب السودان حتى يفرج الله كربته يردد في الاماني العذبة المشوبة بالالم والحسرة مع بقية اصداء صوت عبد الحليم .
اي دمعة حزن لا ..وحتى نار الحرب لا لا لا .
والله من وراء القصد .