قديما قالوا ان كثرة الاسماء تدل على شرف المسمى واهميته , وهذا القول ينطبق تماما على كوبرى النيل الازرق , فمن اسمائه ” كوبرى بحرى ” و ” كوبرى الجامعة” و ” كوبرى النيل الازرق” و اخيرا ” كوبرى الحديد” . وكوبرى النيل الازرق العريق و العتيق لديه مكانة خاصة فى قلوب اهل بحرى , فهو احد المعالم الرئيسة التى تميز العاصمة تماما كبرج ايفل فى باريس و برج الساعة بيغ بن فى لندن و تمثال الحرية فى نيويورك فما ان نرى صورته وسط مئات صور مدن العالم حتى نعرف على الفور ان الصورة للخرطوم العاصمة السودانية . والكوبرى لديه تاريخ قديم فقد تم انشائه فى العام 1910م ايام الاستعمار البريطانى للسودان 1899-1956م ويعتبر اقدم كوبرى فى الخرطوم وثانى اقدم كوبرى فى السودان بعد كوبرى عطبرة وقد تم انشائه لمد خط السكة حديد من بحرى الى الخرطوم و ليربط المدينتين التوامتين ( الخرطوم عموم و الخرطوم بحرى) وقبله كان العبور بين المدينتين يتم فقط بواسطة المراكب النهرية !!
وكاغلب اهل بحرى الذين لديهم العديد من الذكريات مع الكوبرى القديم , فقد كنا ونحن صغار فى السن و فى بواكير الشباب فقد كنا نعبر الكوبرى مشيا على الاقدام بين بحرى و الخرطوم فى طريقنا ونحن صبيان الى حوض سباحة جامعة الخرطوم صباحا وفى الاعياد منا نعبر الكوبرة كمجموعات من الصبيان وننزل من السلالم الحديدى العتيقة فى نهاية الكوبرى وبداية الخرطوم ومنها الى شارع النيل فى طريقنا الى الكشافة البحرية التى كانت تجذب الصبيان فى عمرنا فى ذلك الوقت وفى المساء كنا نعبر الكوبرى ايضا مشيا على الاقدام الى سينما النيل الازرق والتى كانت مشهورة بعرضها لاخر و احدث الافلام الاجنبية واذكر منهم فيلم “الاب الروحى ” God father لاسطورة السينما الغربية مالون براندو ولهذا السيبب فقد كنا نحفظ كل شبر فى هذا الكوبرى و نشاهد اثار المعارك السبقة الت شهدها الكوبرى منذ ثورة 1924 التى قادها البطل الشهيد عبدالفضيل الماظ ضد الاستعمار البريطانى الى ما يسمى بغزو المرتزقة فى العام 1976 م ايام حكم الرئيس نميرى وحتى الكتابات و الرسومات على جدرانه كنا نعرفها و نتساءل عن من هو الذى كتبها او رسمها . وكان الشباب الاكبر سنا يعبرون الكوبرى وهم يقودون الدراجات الهوائية والتى كانت واحدة من مظاهر التحضر و المدنية و مسايرة العصر , وفى بعض المرات ونحن نعبر الكوبرى كان القطار ايضا يعبره و يسبب اهتزاز كبير للكوبرى حتى اننا كنا نخاف من تحطمه ولكن كان البعض يطمئنونا قائلين ” ما تخافوا دة شغل انجليز مش شغل سودانيين ” !!
ومن الاشياء التى لا تنسى هى ان مدخل الكوبرى من ناحية بحرى و فى المكان المخصص للمشاة تستطيع ان ترى من خلال فلنكات الخشب التى جار عليها الزمن فى ارضية الكوبرى وهى مهشمة و تكثر بها التشققات والتى تدل على القدم و عدم الصيانة لهذا الكوبرى و تستطيع ان ترى من خلال الفلنكات المحطمة مياه النيل الازرق تحت اقدامك مباشرة , و اذا التفت الى يمينك كان يوجد رصيف بناه الانجليز لهواة صيد الاسماك قبالة ما كان يعرف بكازينو النيل الازرق و الذى كان هو الاخر من ضحايا حكم الكيزان وكانت هنالك ايضا لافتة نحذيرية لهواة ركوب الدراجات المكتوبة باحرف قد بهتت الوانها بعامل الزمن و بالرغم من ذلك فانها لا تزال مقروءة ومكتوب عليها ” انزل من البسكليتة” و البسكليتة هى تعريب للكلمة الانجليزية Bicycle ,وعند وصولك الى اخر الكوبرى عند مدخل مدينى الخرطوم فكان يقابلك ذلك الكشك الصغير والذى كان يوما مقرا لشرطة الكوبرى و على يمينك تماما تجد السلالم الحديدية التى تؤدى بك الى شارع النيل و ما ادراك ما شارع النيل .
والى اللقاء
