
لابد اولا من التاكيد على حقيقة لا جدال فيها من الوجهة المنطقية وهي ان احتفاء الكثير من الجهات الرسمية والشعبية على المستوى الإقليمي وربما الدولي بانتصار جبهة تحرير الشام في سوريا ذات الخلفية الجهادية ليس مرده بالضرورة إلى عشق كل اولئك المحتفين بعودة الاسلام السياسي من بوابة دمشق في حد ذاتها وانما هو البغض لنظام البعث الاسدي الذي ضرب مثالا سيئا في القمع والفساد و فعله كل موبقات
النهج الإقصائي للأغلبية الديمغرافية و الطائفية مقابل اقلية متسلطة امنيا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا تمددت باستقطاب قوى اجنبية ومليشيات مذهبية ساندتها في الاستقواء على الشعب السوري الذي لم يستسلم حتى صرع ذلك النظام وكان للإسلام الجهادي المسلح قصب السبق في ذلك الانجاز التاريخي .
وبطبيعة الحال فإن شهية الاسلام السياسي التي ضمرت نتيجة فشل نماذج كانت قد حكمت طويلا في بعض دول المنطقة وفق ذلك النهج او افشلت تجربتها في دول اخرى .
فلابد ان تلك الشهية عادت لتنفتح من جديد لإستلهام التجربة السورية بكل وسائلها لتستجمع اوراق اللعب من طاولة الخصوم العلمانيين الذين ظلوا يراوحون في تعثر ترتيب تلك الاوراق منذ انطلاقة رياح التغيير في دولهم جراء الربيع العربي وما اعقبه من انتفاضات في اماكن اخرى.
ولعل تلك المخاوف التي برزت في اروقة بعض الانظمة العربية ولم تخف انزعاجها من ذلك الحدث الدراماتيكي في سوريا لاسيما وان ذلك التوجس قد قابلته فرحة عارمة مثلا من نظام حركة طالبان الافغانية بالحدث السوري و اشاد به الاسلامي المعروف الشيخ عبد الحي يوسف واعتبره فتحا كبيرا ونصرا مؤزرا لحركات الاسلام السياسي الجهادي ..بينما ظهر الشاب عبد الرحمن نجل الداعية الراحل الشيخ يوسف القرضاوي وهو يتجول امس في ساحة الأمويين بدمشق داعيا بالصوت والصورة إلى احتذاء النموذج السوري الجديد في بقية دول الإقليم .بينما قائد العمليات في النظام السوري الجديد الشيخ احمد الشرع نفسه ظل يطلق التطمينات بان الثورة السورية انتهت مهمتها بإسقاط نظام الاسد ولانية البتة لتصديرها إلى القريب او البعيد وقد استقبل عددا من وفود جيرانه وغيرهم الذين جاءوا مباركين او متسائلين ..او متشككين يرومون المزيد من الطمأنينة .
فيما ابدت دول الغرب وعلى راسها امريكا مرونة حيال الحكم الجديد في سوريا وكأنها تشير من طرف خفي بانها عادت لتفضل النموذج الاسلامي السني على غرار نظام الحكم التركي الاردوغاني الذي كانت له اليد الطولى حيال ما جرى في الشام وتفضله حاكما على ذلك الشيعي وقد رمت بطوبته التي اذاقت امريكا من الاوجاع المؤلمة في العراق ولبنان واليمن وسوريا ذاتها وتحديدا إيران التي باتت الان تلعق جراحات موت مشروعها الصفوي بكسر عضد حماس وتمزيق اوصال حزب الله و محاذير الحشد الشعبي الشيعي في العراق وتوابعه ومحاولات تحجيم شغب الحوثيين ..وقد دقت اخيرا مطرقة التغيير في سوريا المسمار الاخير في نعش تشييع ذلك المشروع الفارسي المتخفي وراء مايسمى محور المقاومة إلى مقبرة التاريخ .
وكل دور إذا ما تم ينقلب !