لم يزورني النوم بعد أن أيقظني صديقي مهاتفا وصوته مشحون بالألم والغضب والخوف علينا وهو ينقل فاجعة(بيتكم قاعدين فيهو الجنجويد)….لا أنكر سيل الدعوات المنهمر التي حاصرت قلبي المجروح على كل دخل البيوت وانتهك الأعراض وعلى كل من يطالبنا بالرحيل حتى يدكه بالطيران بعد ان فشل في حمايتنا…كيف لايفارقني النعاس وقد تبللت العيون وبالحلق غصة وطعم التراب ولم تطاوعني الكلمات سوى بالحمد لله وأن ينعمنا بفضيلة الصبر على الإبتلاء…
سيعوثون فيه فسادا و تدميرا غضبا علي إفتقاره ما ينهب أو يكتنز ولكنهم لو يعلمون قيمته في قلوبنا لما دخلوه الا بعد أن يستأذنوا من أرواح أهله في خشوع بعد أن يخلعوا نعليهم ويتطهروا من دنس الحرب والعنف والإقتتال…..
فإنه لم يكن بيتا بل محرابا للمحبه والتسامح وإن كان في الخرطوم مشيدا لكن كان يحمل كل ربوع الوطن تاريخه وجماله…..
حطموا كل ركن وقطعة أثاث و مزقوا كل كتاب وصوره….
لكن لن تستطيعوا ان تحطموا جمال الذكريات وألقها
لن تستطيعوا نهب عبير الأمكنه ورحيقها….
لأنها تغلغلت في المسام لانها أصبحت جزء مننا واذا كانت رموزها في دارنا لكن حقيقتها في أرواحنا نحملها معنا في المنافي حتى نعود بها لتراب أرضنا مع أجسادنا المتعبة ذات يوم..
فحطموا ودمروا و أسرقوا ما شئتم لكن لن تسرقوا الوطن ولن تمسوه بسوء لأنه في دواخلنا فأمتزج بنا وأصبحنا جزء منه وكل روحنا ومسامنا….
سنحزن ليس على الدمار فقط بل على وجودكم الذي دنس هذا المحراب الذي تعلمنا فيه حب الوطن الذي تمزقونه الآن
محراب لايهم ان كان البعض يصفه ببيت حاج إسحق أو بيت حاجه سعديه …حاج في زمن للكلمة قيمتها سلوكا ومحبه لذا لا غرو ان رفض عندما ارسلنا له قروشا للحج فأصدر فتوته (الحجه التانيه حرام علي في بلد فيهو اطفال بياكلوا من الكوشه)…كان بيتا مثل بيوت بلادي…..بيت عامر بالمحبه ومفتوح على الأغراب قبل الأحباب ليجدوا في الترحاب والموده…كيف لا وقد رضعوا ذلك من طيبة أهلهم في الكوه التي صدق عندما وصفها إبنها شابو عندما خاطبها وقال يا أمي التي أحب يا دوحة تهزها الرياح في الدياجي …الناس فيك طيبون..ويزرع الحنان في أجفانهم صفاء
ستجدون كثير من الصور للكوه متناثرة على الجدران فحطموها ولكن لن تمسوا محبتنا لها ونحن نجوب شوارعها بين النخله والكروماب وال الماحي وناس كابوس لنعود لي بيت بنات الطاهر وحوش الجرابنه هي مدارس نتعلم منها معنى الكرم والتعفف والوداد حيث كل الناس صحاب كل الناس أهل
ستجد علبة فضية ليس بها ذهب ولكنها كانت ثروة من الصور التي لونتها أصابع الزمن بإصفرار ولكنها كانت كنز حاج إسحق المقدس التي تبرق أعينه بفرح طفولي وهو يقلبها ويحكي عنها بين أيامه في الملكية ملكال وهو ضابط صحة في بدايات الطريق…وهو بلعب التنس في حلفا مع د.عبدالرحيم و جالسا مع صديقه عم دهب عبدالجابر ولاينسى ان يحكي عن المعلم الذي كان يمر عليهم حاملا عوده ويدعي محمد وردي وتغشي عينيه لحظات الآسى وأمامه صورة للمئذنة وهي تغرق تحت مياه السد فيختمها باللعن على حكم العسكر….ويدندن (عهد فساد واستبداد الله لا عاد)ليبحث سريعا بين الصور ليثبت لنا كيف انه كان ضد الظلم منذ ان كان طالبا في عطبره الصناعيه وكيف فصل منها بعد مظاهرات الجمعية التشريعيه…
كنت اعجب بصور ابوجبيهة وأصدقائه من تجارها أبناء حتيله وصديقه عم مهدي ادم مهدي وهم في الجناين ورحلات الصيد ويبدأ يحكي عن كيف كنا أطفال نسافر معه لأيام في حملات مكافحة الجدري بين رشاد كادقلي وأم برمبيطة والمقرح خور ابوحبل ونحن نستمتع بالنزول عندما تقف العربات نملأ اكياسنا بالمنقه والدليب والهالوك والنبق…..ونرقص مع الكمبلا ونشاهد المصارعه كنا نفخر بالاحترام الذي يجده من الأهالي وإصرارهم على قبول هدايا السمن والعسل وأتذكر حيرة الوالده في اين تضع كل هذه الخيرات حتى بعد ان تمتلئ رفوف الجيران…كيف ستسرقوا أبوجبيهه وتستحضرني ذهابي معه للمدرسه الإبتدائيه لتحفيظ أطفالها أناشيد المؤتمر استعداد للإستقلال وانا أردد معهم صرخت روت دمي وللعلا للعلا وصه يا كنار …..أذكر كم كنا نحاول ان نتهرب من فيض الذكريات هذه الذي يستمر لساعات ونعتذر بإرتباط قبل أن يواصل في رحلة عمله من أمروابه وجيرتنا للناظر الطيب هارون …وثم أيامه في مدني وصداقته لعمنا ادم محمد نور ومكاوي ملك الفول وتشجيعه لفريق الإتحاد…او يعرج بنا لأيام عمله في أمدرمان وصور حملة النظافه والتي يجب أن تبدأ السادسة صباحا قبل ان تستيقظ المدينه…ويختمها ببورتسودان والاهتمام بنظافة الثغر وجماله وجلساته مع أصفيائه من جامع باشيخ الي دكان ابوسبعه….
فلا يقطع سيل الذكريات سوى صوت المؤذن فيقوم على عجل يبحث عن مسبحته لا تسمع صوته الا وهو في الباب يضحك مع عم عبد الحميد وقفشات كامل داوود وواقفا مداعبا عوض الجمل و حسن شوية وملوحا إلى كليتون وخلف الله الرشيد .. فيجلسون بعد الصلاة يتفقدون احوال مربع سبعه يتراوحون في دروبه يزورون من غاب عن الجماعه يتقاسمون هموم الدنيا وأفرحها بكل محبة وسرور……
فكيف تستطعون سرقة ذلك ونهبه من قلوبنا؟؟؟
هل حطمتم ذلك الكرسي العتيق أم جلستم عليه بعد قدمتم له ما بستحق من تعظيم فهو كرسي الحاجه وهو مقام لو تعلمون عظيم في قوبنا ومحبيها وهم كثر لا يحلو الشاي ولا القهوة ولا اللمة الا حوله جعلته متكأ ومصلى ومجلسا تقودنا في درب الحكي وهو فنا قد أجادته لا يهم ان كان عن جذور اجدادها الذي لم تزورها
فتحكي عن حسين نارتي وارتيموقا ومورا وجدنا صالح ودفضل صاحب الخلوه وتعرج على خالها حاج عبدالله راجل الدرب وحارس الكوه….فأداعبها اهلك ديل لا ورثونا أطيان ولا نخل ولا عمارات فترد بثقة وافتخار بلا تكبر الحمدلله مستورين والقرش وكفايه ورثوكم العلم والدراسه وتحكي عن ابوها حاج عثمان الذي ذهب للتجاره بعد اكمل غردون وخيلانها النصري وميرغني أعمدة التعليم من زمن الإنجليز
…وتختمها عن حسرتها لعدم اكمال دراستها…….فهي التي لم تقرأ لكلارا زدكن ولا روزا لوكسمبرج ولكن إيمانها الفطري بمساواة المرأه وإعتدادها بشخصيتها شكلت بصمتنا وغرست فينا احترام قيمة المرأه الإنسان رغم انغماسها في شئون منزلها لكنها تقرأ الجرائد وتتابع السياسه تعشق فاطمه أحمد إبراهيم تكره العسكر ولاتجامل في صوتها للإتحاديين فكان قلبها مزار ودارها محطة وملتقى لكل الاقارب فمنهم من قضى سنين دراسته وعمله فتتفقد من يغيب وتسعد بالشوفة وتقرأ ما بين الحروف فتمسح الهموم وتحل المشاكل وتعطي بيمينها حبا وكرامة لاتعلم يسارها ولا يجري على لسانها
تستقبل أصدقاءنا وتسأل عنهم اذا غابوا وتعاتبهم بكلمتها المحببه (لكن ما بالغتوا …)
أصدقاء الدراسه اصبحوا اولاد البيت فعصام الذي يتعامل مع ميزانيتهم وعبدالمجيد يتصلون به لأي عطل وتصليح(وين هشام ومحمود ويوسف اولاد مدني ليهم زمن ماجونا )(واصحابك المجانين ناس حوش عباس ما لهم مختفين)…وبكل محبه تسأل عن صديقات الدراسه وين انعام واخبار حنان وهدى بابكر وين بت ام دوم ريا السيد وينهم سلم عليهم كلمهم يجوا يوم يتغدوا…..
بل تعرفت على أسرهم لتصادق حاج الشول والدة أبشر يتواصلون بالشوق والمحبه …كلهم كانوا جزء منها و بكل ما يحمل قلبها من محبه تفتقدهم….لكنها لم تعرف الانكسار واذكر كلماتها وهي تخفي دموعها عندما جاء عساكر الأمن ذات ليل لإعتقالي لم تقل لي سوى (امشي ربنا يحفظك وانا عافيه منك
وراضيه عليك)
وتعود لمجلسها مع مسبحتها تدعو لأولادها بالهدايه والعفو والعافيه وعلى يمينها راديو تغير ملامحه ولم يتغير ارتباطها اليومي به فيستفتح معها يومها بصوت الشيخ عوض عمر يتلو في خشوعه ويختم بأمنت بالله صدق الله العظيم وتتابع نفحات الصباح وحتى يصدح الكابلي بأي صوت طاف بالامس معلنا برنامج الأسره ونجدها في وقارها تصمت عندما يأتي لها صوت العميد يصدح أقول أنساك …..والديمه نافر ومن مجلسها تتابع أحفادها وهم يتحركون بينها يستقون بها على أمهم وينتظرون عطاياها التي لاتنقطع
ويقطع جلستها نقرات على الباب بين طارق اصبح بيت الحاجه مزار يمر عليه يبحث عن لقيمات يقمن صلبه أو دعم من ملبس أو مال فلا يسألها وتعلم مافي قلبه وأحواله فلا تتردد…….وبين صوت حاجه عزيزه صديقة عمرها تناديها بلكنة حلفاوية محببه لتضع ثوبها على استعجال لتسبقها على الزاويه لتسلم عدة المناسبات والصيوانات لمن لديه فرح أو عزاء فقد كانت رئيسة الجمعيه وأم الجميع
….أسرقوا وحطموا فمهما سرقتم ……لن تمسوا مقامها في قلوبنا
ستجدون في هذا المحراب ركنا قصيا إجتهدت أن أجعله مستقرا لسنوات المعاش فزينت جدرانه ودواليبه بكل التفاصيل الحميمه عن مدارس بل حياة وأصدقاء تفرقت بنا الحياه ولكنهم مازالوا في القلب امروابه الغربيه ومحمد علي ادريس ومدني الشرقيه ومدني الأميريه وابراهيم فرج الله ومامون سيداحمد وامدرمان الاميريه وصالح طه ومشعال موسى والمؤتمر امدرمان وعزيز وعصام وعبدالمجيدوبورتسودان الحكوميه وعثمان درار
حطموا صورهم ولكن لكن تلمسوا مقامهم في قلبي…
مزقوا كل كتبي التي تحكي تطوري من مجموعة المغامرين الخمسه واجاثا كريستي وروايات فتحي غانم ونجيب محفوط وكتابات دار التقدم وكتب الجمهوريين وابوالقاسم حاج علي وماركيز وكولن ويلسون وسارتر كنت احلم بقراءتها كلها من الأول…وستجدو لوحة صغيرة لصديقي محي الدين الزين ونحت لعبدالغني وأشرطة تناثرت بين أم كلثوم وأبوداود وشرحبيل وبادي وفرقة العقارب والبلوستارز كنت احلم بليالي قمرية أستعيد فيها الأطلال وجاهل صغير مغرور وأترنم مع خمرة هواك يامي صافيه وجميله…….
لاتسخروا من خطاباتي التي احتفظ بها حبال الود مع الأصدقاء ومحاولاتي الغراميه الأولى بصدقها ونقائها ورسائلي لسيد الإسم….ومحاولات شعريه فطيرة وساذجه
لاتستغربوا من تلك الصور الباهته فقد كنت هلالابيا معجب بكمال عبدالوهاب ثم شجعت العباسيه والمورده ولا أخفي تحيزي للثغر بورتسودان والنيل مدني لذا ستجد صورا ربنا لاتعرفونهم من الطاهر حسيب وبابكر سانتو والصياد وكسلا وأحمد أبكر مع نجوم السله من وندر بوث ديو ووليم اندريه…..هذه ثروتي لا تعلمون قيمتها في قلبي واعلم انها تمزقت ولكنها لم تتمزق في دواخلي ولن تغادر روحي
ستجدون أركان وكراسي متهالكة في نظركم ولكن لو تعلمون عظمتها لركعتم أمامها فهنا جلس علي فضل يخبرنا عن تهديدات الأمن وهناك جلست مع أكرم نتابع إضراب الأطباء وهنا كانت اجتماعاتنا لاتحاد الشباب مع خالد الفاضل وهناك حيث غنى السراج شايف البحر وهنا ساهرنا مع كوباني ويدندن للجابري ويمزجها بضحكته المجلجله المليئة بالصفاء والمحبه…..
هي مغروسة في المسام لن تطالوها ولن يمسها تخريبكم ولا نهبكم
ستجدون في هذا المحراب ركنا قصيا إجتهدت أن أجعله مستقرا لسنوات المعاش فزينت جدرانه ودواليبه بكل التفاصيل الحميمه عن مدارس بل حياة وأصدقاء تفرقت بنا الحياه ولكنهم مازالوا في القلب امروابه الغربيه ومحمد علي ادريس ومدني الشرقيه ومدني الأميريه وابراهيم فرج الله ومامون سيداحمد وامدرمان الاميريه وصالح طه ومشعال موسى والمؤتمر امدرمان وعزيز وعصام وعبدالمجيدوبورتسودان الحكوميه وعثمان درار
حطموا صورهم ولكن لكن تلمسوا مقامهم في قلبي…
مزقوا كل كتبي التي تحكي تطوري من مجموعة المغامرين الخمسه واجاثا كريستي وروايات فتحي غانم ونجيب محفوط وكتابات دار التقدم وكتب الجمهوريين وابوالقاسم حاج علي وماركيز وكولن ويلسون وسارتر كنت احلم بقراءتها كلها من الأول…وستجدو لوحة صغيرة لصديقي محي الدين الزين ونحت لعبدالغني وأشرطة تناثرت بين أم كلثوم وأبوداود وشرحبيل وبادي وفرقة العقارب والبلوستارز كنت احلم بليالي قمرية أستعيد فيها الأطلال وجاهل صغير مغرور وأترنم مع خمرة هواك يامي صافيه وجميله…….
لاتسخروا من خطاباتي التي احتفظ بها حبال الود مع الأصدقاء ومحاولاتي الغراميه الأولى بصدقها ونقائها ورسائلي لسيد الإسم….ومحاولات شعريه فطيرة وساذجه
لاتستغربوا من تلك الصور الباهته فقد كنت هلالابيا معجب بكمال عبدالوهاب ثم شجعت العباسيه والمورده ولا أخفي تحيزي للثغر بورتسودان والنيل مدني لذا ستجد صورا ربنا لاتعرفونهم من الطاهر حسيب وبابكر سانتو والصياد وكسلا وأحمد أبكر مع نجوم السله من وندر بوث ديو ووليم اندريه…..هذه ثروتي لا تعلمون قيمتها في قلبي واعلم انها تمزقت ولكنها لم تتمزق في دواخلي ولن تغادر روحي
ستجدون أركان وكراسي متهالكة في نظركم ولكن لو تعلمون عظمتها لركعتم أمامها فهنا جلس علي فضل يخبرنا عن تهديدات الأمن وهناك جلست مع أكرم نتابع إضراب الأطباء وهنا كانت اجتماعاتنا لاتحاد الشباب مع خالد الفاضل وهناك حيث غنى السراج شايف البحر وهنا ساهرنا مع كوباني ويدندن للجابري ويمزجها بضحكته المجلجله المليئة بالصفاء والمحبه…..
هي مغروسة في المسام لن تطالوها ولن يمسها تخريبكم ولا نهبكم
عوثوا فيه بلا حياء وتناثروا في أركانه ولكن قليل من التقدير لايكلفكم شيئا ولن ينقص من غنيمتكم شيئا ولكن سيشعرنا بأنه أقل ما يستحقه من دار حمل في داخله محبة الناس والوطن
انهبوه
دمروا اركانه وأثاثه وكتبه فالوطن ليس اوراقا وصورا ولا قطعة من أثاث….
لذا حتما لن تسرقوا الذكريات ولن تمسوا جمالها وألقها
لانها منحوتة في القلوب
ومزروعة في المسام
وحتما سنعود يوما
سيضيء كل أركانه بالمحبه وعبير الذكريات
وسنفتح أبوابه للأحباب بلا إستئذان كما هي قلوبنا مشرعة…وسيستمر أريج الوطن ودفئه وفيضه لا ينقطع…..ولن ينتهي
لأننا نحن الوطن
لكم محبتي
مجدي إسحق