اسباب عودة وفد الجيش من جدة ومواضيع أخرى ،
من الواضح أن كلا طرفي الحرب قد بلغا درجة من القناعة بالتوجه نحو توسيع طاولة المفاوضات بينهما والتي كانت محصورة في صلاحيات وفد الجيش خاصة في التفاوض حول فتح مسارات إيصال الدعم الغذائي والدوائي والإنساني بصورة عامة عبر تلك الهدن العديدة التي لم تؤثر كثيرا في تهدئة حدة القتال بل والتي شكك الجيش في أنها ستعطي قوات الدعم السريع فسحة لممارسة ابشع الانتهاكات أو التقاط الأنفاس ومحاولة إدخال جحافل القوات الداعمة لها والعتاد والمؤن !
اما لماذا عاد وفد الجيش إلى بورتسودان أوكما أعلن رسميا أن ذلك كان بغرض إجراء المزيد من التشاور مع القيادة !
فإن الأمر ليس كذلك بالضبط غالب الظن ..فقد جاء عن بعض المصادر بإن الوساطة الأمريكية السعودية قد طرحت مصفوفة تصورات تشمل مقترحات موسعة تجمع ما بين ماهو عسكري يتعلق بهدنة طويلة تفضي إلى إنهاء القتال وماهو سياسي للدخول في ترتيب أوضاع الحكم الانتقالي فيما بعد وضع الحرب أوزارها .
وطبعا هذا الجزء السياسي هو ما لم يكن وفد الجيش مفوضا أو مزودا بتعليمات الخوض فيه لعدم الاختصاص المباشر وكان لابد من العودة للتشاور في كيفية معالجة ذلك الامر أما بتفويض أشمل لذات الوفد أو تطعيمه بعناصر سياسية و دبلوماسية وقانونية للتفاوض الشامل و بتفويض كامل !
فاما وفد الدعم السريع فليس بمقدوره العودة طبعا بأية طريقة لان قيادته المركزية غير معروفة المكان تحديدا داخل البلاد هنا ولكن يمكن له أن يتلقى التعليمات منها وهو يراوح مكانه في جدة وتتواصل معه من حيث تتواجد هي أوعبر مستشاريها .
ولكن ربما كانت المفاجأة المدهشة حقيقة صدور أمر من النيابة العامة بالتعقب وإعادة القبض على منسوبي نظام الإنقاذ الذين خرجوا مع فتح أبواب السجون جراء تداعيات الحرب من انعدام الخدمات بتلك المحابس وعدم توفر سبل الإعاشة وتأمين حياتهم هناك .
بينما حامت شبهة فتح تلك السجون حول قوات الدعم السريع .
ولعل حاجب الدهشة سينعقد أكثر بسبب أن هذا القرار النيابي يأتي بعد أن جاب هولاء المطلوبون عددا من مدن الشرق بدعوى تحشيد الشباب للتطوع ومساندة القوات المسلحة في حربها ضد الدعم السريع .
وهي رغم أنها ذريعة قد تجد قبولا عند قيادة الجيش وتفرحها ولكنها على ما يبدو في ذات الوقت قد خلقت لها بعض الحرج باعتبار أن ذلك النشاط العلني لاولئك الرجال أخذ منحى سياسيا سافرا لحزب يفترض انه محلول مما تسبب في إنقسامات بين كبار قادة الجيش لاسيما السياديبن منهم ..إذ نجد الشق الذي يقف عنده الفريق البرهان يعارض ضمنا ممارسة هذا النشاط بهذه الصورة المكشوفة على الأقل والدليل ما ورد عن إصداره قرارا بإقالة مدير الأمن بالبحر الأحمر الذي سمح للمطلوبين بإقامة لقاء جماهيري بذات المزاعم المذكورة آنفا .
وهنا تبرز المؤشرات على وجود فسطاطين داخل قيادة الجيش العليا يفكران في اتجاهين متعاكسين حيال التعامل مع الإسلاميين بصفة عامة وقادة المؤتمر الوطني و خاصة الخارجون من السجن بالنظر إلى نشاطهم الذي يتم تحت حماية أو طناش السلطات في كل اماكن تحركاتهم !
ولعل الفريق ياسر العطا الذي أطلق تصريحات نارية استعداء للأطراف المناهضة للحرب أو محايدة تجاه اطرافها الشيء الذي فسره المراقبون بأن العطا يقف عند الضفة المخالفة لموقف ضفة الفريق البرهان والذي بات جليا أنه كقائد عام يتبنى خطة التفاوض لانهاء الحرب بدليل أنه شرع في التواصل مع الفعاليات السياسية الداعمة لذات الخط بدءا بمهاتفة المهندس عمر الدقير القيادي البارز بحزب المؤتمر السوداني وعضو مركزية الحرية والتغيير .
وتلك كلها تحولات دراماتيكية متسارعة رغم قتامتها حتى الآن ولكنها حتما ستفتح باب التكهنات واسعا بأن الأيام القليلة القادمة قد تحمل في طياتها تطورات جديدة ستقود إلى مرحلة مختلفة عن ما كان يجرى خلال فترة الحرب الدامية التي زادت عن الثلاثة أشهر .
وتلك كلها مستجدات تجعل الرأي العام يترقب القادم المجهول في كافة تفاصيله .
وكما هو جلي أن حقيقته تكمن خلف غبار رحى هذه المعارك الجارية.. ولن يستبين ضحاها الا بعد انقشاع دخان هذه الحرب الحالك السواد !
