الأخبار

كاتب مصري : السودان مهدد بالتحول إلى مركز للمطرفين

 

المساحة الشاسعة للسودان والحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يثيران قلقا كبيرا من أن يتحول البلد الأفريقي إلى بؤرة لإيواء وتفريخ إرهابيين، ما يفاقم أزمات السودان وأزمات دول الجوار.

القاهرة – نقلت تحذيرات بعض المسؤولين والسياسيين المتعلقة بمراقبة حركة الجماعات الإرهابية وتطورها في الغرب الأفريقي، على وقع الانقلاب الأخير في النيجر، إلى مجال رصد حركتها ونموها في الشرق الأفريقي، على خلفية ما منحته الحرب في السودان من فرص لتلك التنظيمات المتطرفة المسلحة

وكرر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال لقائه الثلاثاء مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان في العلمين، شمال غرب مصر، تحذيراته بشأن خطورة الأوضاع، معربا عن مخاوفه من تداعيات حدوث فراغ مؤسسي وأمني بالسودان، ما يعني عودة الخطر الإرهابي لتهديد الساحة المصرية من الجبهة الجنوبية.

وعكس تصريح أبيبي مولونيه، قائد برنامج القطاع الأمني في الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا “إيغاد” بشأن التحذير من تحول السودان إلى ملاذ للإرهابيين مؤخرا، قلقا متصاعدا من تهديدات يمكن أن تشكل منعطفا في مستويات نشاط وحركية الجماعات الإرهابية في العالم.

وتشي المخاوف المعلنة بأن ما قد ينتج من تداعيات وخيمة للحرب في السودان ربما يفوق التهديد الإرهابي القادم من جهة الغرب الأفريقي، في الوقت الذي تتركز فيه أنظار البعض على تداعيات ما يحدث في كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا ودولة أفريقيا الوسطى.

ووضع قائد برنامج القطاع الأمني في إيغاد خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الإثيوبية خطر الإرهاب بجانب التغير المناخي وعدم الاستقرار السياسي والأمني ضمن أبرز التحديات التي تواجه منطقة القرن الأفريقي.

وصادف هذا التصور ما يدعمه من إحصاءات وتقديرات لبعض مراكز البحث والرصد، حيث أكدت دراسة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن منطقة شرق أفريقيا جاءت في المرتبة الأولى من حيث النشاط الإرهابي وعدد العمليات الإرهابية، وكان للصومال النصيب الأكبر من عدد العمليات والقتلى والمصابين، لافتة إلى أن منطقة الساحل الأفريقي الغربي جاءت في المرتبة الثانية في عدد العمليات الإرهابية.

ii

ويعزز الصراع العسكري بين قوات الجيش والدعم السريع في السودان بقاء شرق أفريقيا في صدارة الساحات الأكثر خطورة في العالم فيما يتعلق بملف الجماعات الإرهابية، والتي أسهمت في إنقاذ تنظيمي داعش والقاعدة من الانهيار بعد تراجع نشاطهما داخل معاقلهما التقليدية.

وحذر خبراء من خطورة نشاط تنظيمات إسلامية كامنة في السودان، وإعلان عدد منها عن انضمامه لقوات الجيش والقتال إلى جواره، وهو المجال الذي يمكن أن يفتح الباب لطوفان جديد من العنف الذي يمارسه متطرفون في الدول التي ينمو فيها حضورهم المسلح.

ويؤدي استمرار الحرب في السودان إلى الاتجاه به نحو احتمالات التفكك والوصول إلى مرتبة الدول الفاشلة، ومن شأن ذلك أن يعزز نفوذ تنظيمي داعش والقاعدة في الحزام الممتد من شرق أفريقيا إلى غربها، وإمكانية وضع دول مثل السودان والصومال وكينيا وأوغندا وإثيوبيا في صدارة النشاط الإرهابي في العالم، بما يفوق دول عدة في الساحل الأفريقي، مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر وأفريقيا الوسطى.

واتسعت رقعة الصراع على النفوذ بين التنظيمات الإرهابية الفاعلة للسيطرة على الجغرافيا ومواردها الطبيعية، ولم تعد الرؤية قاصرة على التنافس المحتدم بين الجماعات داخل حيز منطقة الساحل وغرب أفريقيا بعد انسحاب القوات الفرنسية والمستجدات في مثلث مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ووضُح أن التنافس على الزعامة بين الجماعات المتمركزة بدول الساحل والصحراء في غرب القارة والأخرى في شرق أفريقيا.

استمرار الحرب يؤدي إلى تفكك الدولة ووصولها إلى مرتبة الفشل ما يعزز نفوذ داعش والقاعدة في شرق أفريقيا وغربها

ومن يحوز النصيب الأكبر من النفوذ والتمدد داخل الجغرافيا السودانية مستغلًا الحرب الدائرة سوف ينال الفرصة الأكبر لمد ما يمكن النظر إليه كخلافة إسلامية جهادية مفترضة ممتدة بين شرق أفريقيا وغربها.

ويقود تحول السودان إلى مركز إرهابي إلى جعل إقليم وسط القارة من البحر الأحمر حتى المحيط الأطلسي بؤرة عنف تهدد دول شمال أفريقيا وربما جنوب أوروبا التي تشعر بقلق بالغ من التدهور الحاصل في بعض الدول الأفريقية، والذي يفضي إلى زيادة عمليات الهجرة غير الشرعية.

ويبدو السودان في موقع المتأثر بالتحولات الشاملة التي تشهدها أفريقيا المتعلقة بتردي الأوضاع الأمنية وانتقال عدوى عدم الاستقرار السياسي وفشل بعض تجارب التحول الديمقراطي عقب مراحل انتقالية مضطربة تختلف مدتها بين بلد وآخر، لكنه قد يكون هو من يؤثر سلبًا على محيطه الإقليمي مستقبلا في ظل تراجع الأمل في حل الأزمة سياسيا.

ومن شأن الحرب المتعمدة ضد المدنيين والإمعان في قتلهم والتدمير الكامل للبنى التحتية الذي جر لأكبر عمليات النزوح الديمغرافي في التاريخ المعاصر أن يتسببا في تعميق الصدع وترك مساحات جغرافية شاسعة دون سيطرة، في خضم انشغال الجيش بمنع سيطرة قوات الدعم السريع الكاملة على الخرطوم، أو إقليم دارفور الذي تتمتع فيه هذه القوات بحاضنة اجتماعية مهمة.

ويفتح ما آلت إليه الحرب السودانية التي اشتعلت شرارتها منتصف أبريل الماضي شهية الجماعتين الإرهابيتين الرئيسيتين النشطتين في غرب وشرق أفريقيا (داعش والقاعدة)، حيث بات هدف توحيد الدولة في السودان أملًا بعيد المنال بعد سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء مختلفة من البلاد، وباتت التنظيمات المتطرفة المتضامنة مع موقف الجيش تمثل تهديدا على جعل الحرب أكثر دموية.

وأسهم عجز الجيش عن الحسم الميداني وعن إقناع السودانيين وطمأنتهم حيال طبيعة الحكم وهوية المتحكمين في مقاليده إذا انتصر، في عزوف شرائح من المواطنين عن دعم القوات المسلحة في القتال، وهو ما يقود إلى تكريس التشرذم والسماح بالمضي قدما نحو التفكك.

ii

ويوجد في السودان جيشان والعديد من الحركات المسلحة ومساحات واسعة من الأراضي غير الخاضعة للحكم المركزي وانتشار غير مسبوق للميليشيات وتوسع لنفوذ أمراء الحرب، كل ذلك يبعد البلاد عن الوحدة.

ويدفع الشعور بالخطر والخوف من الحرمان من الوصول إلى نهر النيل ومصادر المياه بعض الأقليات في غرب البلاد إلى حمل السلاح وحماية مصالحها، فضلا عن عدم استبعاد لجوء الولايات الشرقية إلى الانفصال على طريقة الحكم الذاتي، وجميعها سيناريوهات ترشح تحول البلد الأفريقي إلى بؤرة رئيسية لإيواء وتفريخ التنظيمات الإرهابية.

وتشكل أوضاع السودان الداخلية وحدوده الهشة فرصة مناسبة لتنظيمي القاعدة وداعش لتحقيق أهدافهما الخاصة في هذه المرحلة، في ما يتعلق بصنع نقاط تجمع وتكوين خلايا مسلحة على الحدود وأطراف الخرطوم واستغلال الأقاليم الأكثر اضطرابًا والقريبة من الحدود مع ليبيا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى لعبور العناصر الإرهابية من وإلى السودان.

ويُغري موقع السودان المهم التنظيمات المتطرفة للسيطرة على مساحات جغرافية واسعة داخله بهدف استغلال الحدود المشتركة مع ليبيا ومصر وتشاد وإثيوبيا لمد النفوذ إلى الشرق الأوسط وربما أبعد من ذلك، ما يجعل الخرطوم مهيأة لتصبح مركزًا للالتقاء والدعم والتنسيق بين فروع القاعدة وداعش وروافدهما دخل أفريقيا وخارجها.

تحذيرات ومخاوف إقليمية من خطورة إعلان الجماعات الإسلامية انضمامها للقتال إلى جانب الجيش السوداني

وفي حين يعول تنظيم القاعدة على القرب الجغرافي بين نقاط تمركزه بدول شرق أفريقيا، خاصة في الصومال والسودان، علاوة على حضوره القوي بدول الساحل الأفريقي لخلق عملية إسناد لمشروعه المستقبلي بالسودان، يعتمد داعش في سياق محاولات تنفيذ خططه الخاصة بتأسيس فرعه القوي بالسودان (ولاية السودان) على تمركزه بدول غرب أفريقيا واستغلال توغله بدول الساحل الأفريقي لتمرير مقاتليه إلى دارفور ومنها إلى الخرطوم التي يمكن أن تشهد نشاطا لافتا الفترة المقبلة.

وتساعد الحدود الهشة والأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة في خلق مقاربة لمشروع الخلافة المفترضة الممتدة بين شرق القارة ومنطقة القرن الأفريقي وغربها، لداعش أو القاعدة، فضلا عما يعنيه انتشار الفقر والجوع وغياب وظائف الدولة عن رعاية مواطنيها من تسهيل تجنيد الآلاف من الأفراد في صفوف الجماعات المتطرفة.

ويحتاج 12 مليون نسمة (ثلث سكان السودان تقريبا) إلى مساعدات غذائية، وتلوح المجاعة في الأفق بسبب تعطيل الحصاد وصعوبة الوصول إلى الأسمدة والبذور، بينما يعمل في الخرطوم حاليًا عدد قليل من وكالات الإغاثة.

ويطمع كل من القاعدة وداعش في تعزيز مصادر تمويلهما عبر الحصول على مورد الذهب، وغيره من ثروات البلاد ومواردها الطبيعية.

وتلقي فرضية تحول السودان إلى حاضنة مركزية للتنظيمات الإرهابية والجريمة العابرة للحدود على عاتق دول الجوار المباشر للسودان، خاصة مصر وتشاد وإثيوبيا، أعباء كبيرة خلال المرحلة المقبلة، وتفرض عليها التعاون والتنسيق لمنع تمدد الجماعات المتشددة.

هشام النجار
كاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى