الأعمدة

اسامة سليمان / يحشو فراغات الانتظار غير الكتابة

في مثل هذه اللحظة عليك أن تكتب
في مثل هذا الوقت المنحدر بشدة إلى هوة لا يراها إلاك عليك أن تكتب ، عليك أن تتشبث بشجرة الكتابة، ربما ستؤلمك أشواكها إن كانت من النوع الخشن فتفلتها وتستسلم لشهوة المنحدر، وقد لا تحتمل الفروع الضعيفة ثقلك وعنفوان الهوة التي تجتذبك، اكتب فهناك ما لا بد من كتابته.
ليس لديك ماتكتبه؟
لا بأس انظر من خلال النافذة اكتب ماتراه ..
تعبر السيارات أمامك هادئة على عكس ما تبرزه الأفلام الهوليودية عن مدن هذه البلاد ، تسيل من نوافذها الأغاني شلالات عصافير، كل شيء يبدو جميلاً لكنك لا ترى إلا ما يحدث هناك على بعد سبعة آلاف من الكيلومترات في البلاد التي هي أقرب إليك من حبل الوريد ، حيث الموت الذي يحوم فوق الأرواح ..
هذا هو المنحدر الروحي الذي تحسه الآن، في لحظات الفراغ هذه التي تتمدد بسبب أن ليس لديك ماتفعله .
اكتب فربما سكبت شيئا مما في دواخلك، اكتب وامحُ ما شئت فقد غدا هذا ممكنا في زمن اللاورق واللا حبر، ومافائدة أن تهرق حبرا والدماء تسيل هناك…
اكتب فلا يحشو فراغات الانتظار غير الكتابة، اكتب بلا تخطيط، اكتب دون هدف، ارفع رأسك عن الشاشة واكتب عن أول ما تقع عليه عيناك ، شرطي يلاعب طفلا ويضاحك أحد العابرين ، نعم هذا ما يفعله رجال الشرطة هنا يتعاملون مع الآخرين كأنهم بشر مثلنا ، ينسون تماما أنهم من كوكب الشرطة ، يعتذرون لك عندما يوقفونك، نعم هم بشر عاديون ، سيارة ضخمة يقودها رجل ذو شارب أحمر وقبعة مكسيكية كأنه خرج لتوه من أفلام سهرات نهاية الأسبوع، بلا شك يحمل مسدسا من حقك أن تكمل صورته وأنا أوافقك لابد أنه مسلح لكن لاضير …
أنتظر صديقا لا أظن سيأتي على كل أنا قريب من مسجد الراشدين الآن ، سيتحدر السودانيون إليه مع المغيب وسينقسمون بعد الصلاة إلى فريقين ويرتفع الشجار المعتاد منذ بداية الحرب وسيتفرقون بعد العشاء تأهبا ليوم قادم طويل …
اكتب ربما لن يأتي صديقك لاشيء في هذا العالم أقسى من الضجر الذي ينتابك قبل المغيب ، تحمد الله على أنك أمضيت سنوات تعمل في وظيفة تتطلب أن تكون في داخل المبنى ولا تشهد الغروب..
تسأل نفسك دائما عن سبب هذا الشعور الذي يخنقك لحظة الغروب ، إذا سألت صديقين عن السبب سيجيب المثقف الذي يضع الأشياء دائما في غير رفوفها أنه قلق وجودي يرتبط بالحياة والموت والغروب، وسيقول لك صديقك البسيط الذي يفهم المعاني طازجة دون أن يتبلها بالفلسفة ربما لأن الغروب كان يقطع علينا لهونا هناك في القرية …
ما حال الأطفال هناك في القرية هل مازالوا يلعبون في زمن الحرب؟
ستنقطع هذه الكتابة بحضور صديقك وربما برسالة تحمل خبرا سيئا من أرض المعركة هناك …
اكتب كما شئت ، مثل هذه الكتابة لا يقرأها أحد لذا يمكنك فتح الأشرعة وانتظار الريح ..
لقد انقطعت بسبب أذان المغرب ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى