الأعمدة

الحروب ليست مياه (تجغم) ولا (ابتلال اصابع)

قد يتخذ المتباهي بمهارته قرارا بالسباحة واثقا في مقدراته على عبور النهر وهو يتحدى الامواج الهادرة ولكنه لا يضمن دائما قرار الخروج ناجيا من غدر التيار الذي لم يحسب له حسابا.
حكمة قديمة.
وهكذا هي الحرب يخوضها اطرافها بمختلف النوايا ويتخذون قرارها راغبين او مرغمين وكل طرف يعتزم بلوغ النصر فيها ولكنه لا يملك ان يتخذ قرار الخروج من اتونها منتصرا او مهزوما.
فهى لها مراحل تشبه كثيرا تدرج المرض في الجسد يبدا بسبب ما ومن ثم يفرض اعراضه التي تتفاوت ما بين الاجهاد والضعف وقد يفضي في خاتمة المعاناة الى الموت.
نقدر حماسة الذين رفعوا شعارات ( البل والجغم)
سواء كانوا بعيدا عن لفحة حريق المعارك او قريبين منه.
ونتفهم بالمقابل برود وخفوت اصواتهم في الاونة الاخيرة بعد ان ايقنوا ان استطالة امد الحرب وان ضعف ساعد المتمردين او تناقص عددهم او تشتت جمعهم فان الانتصار عليهم بهذا الثمن الباهظ من الزمن وكل هذه الارواح التي ازهقت و تدمير العمار وهجر الديار يصبح نصرا منقوصا بل و بطعم الهزيمة في حلق الوطن كله.
ولن يصيب الحالمون بمدنية الحكم وديمقراطيته بردا وسلاما على اسنة الرماح التي تقطر راياتها دما ودموعا شيئا الا اذا مدوا اكف مصافحة الصف الوطني مجتمعا على صعيد التوافق وبمعايير ميزان العدالة التي تنصف المظلوم وتقتص من الظالم الذي يحلم بنسيان الجرم مع تقادم الزمن لان الدين لا يسقط والديان لايموت.
الطرفان باتا في وهن واضح والقادة الذين كانوا يطلقون خطب الحماسة في تجمعات الجنود وامام عدسات الفضاء لم يعد لهم وجود في سطح الميادين وقائدهم يضرب كباد الطائرات شرقا وغربا ولا احد يعلم بما عاد به في كنانة الترحال وهاهو يحوم في مختلف المناطق يفرش له بساط التشريفات الاحمر كلون الدماء ليسير في مجراه حائرا . ولا يجروء على العودة الى عاصمة الاحتدام التي اصبحت سفينة تحترق بلا قبطان.
و من يستنفرون الشباب لمعركة ظنوا ان حسمها بالساعات يلتمسون الان ابواب المخارج الى ساحة الاسترخاء والاستجمام ولا نقول الاستسلام ولكن في حياء المكابرة والتدارس الخجول.
هذا في جانب الجيش و من يقاتلون معه بقناعة الوطنية او بعناد الفكرة فلا احد يمللك ان يقلل من شانهم .
اما متحدثو ومستشارو الدعم السريع فهم على بعدهم عن ساحة الوغى ووطاة جمرها وعلى غباء احاديثهم المملة
والإنكار السمج لواقع المأساة فقد اثبتوا انهم مغيبون عن شواهد الاحوال التي دمر فيها صبيتهم قيم الحياة وقوامة النخوة..!
فالحروب تجعل العقول مثل السهام الطائشة صحيح انها قد تصيب هدفا بصورة او باخرى ولكن ذلك لا يعني انها قد لا تنكسر سنانها وهي تنغرس برعونة في جوف هدفها فيستعصي عليها الخروج سالمة مرة اخرى فتصبح مجروحة وليست جارحة لتصرخ مستنجدة وهي تندب خيبة باريها.
فما احوج ضحايا طيش العقول للعودة الى ديارهم عبر ممرات السلام بعد ان يبرد رماد الصدام.
والمولى جل جلاله من اسمائه الحسنى.. السلام.
والسلام على الجميع.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى