الأخبار

معارك ضارية في جبل أولياء والدعم تتوغل في ولاية الجزيرة

إدانات حقوقية لاستمرار الانتهاكات واستهداف المدنيين واتساع رقعة الحرب السودانية لتشمل المناطق الآمنة

في تطور جديد للحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بدأت العمليات العسكرية بين الطرفين تأخذ منحى جديداً مع تمدد القتال إلى خارج الخرطوم، فقد شهدت منطقة جبل أولياء جنوب العاصمة السودانية، أمس السبت، معارك عنيفة بين الجانبين أسفرت عن مقتل وجرح 40 مدنياً، فضلاً عن توغل قوات “الدعم السريع” في داخل ولاية الجزيرة وسط البلاد، وذلك بعد يوم من اجتياحها مدينة العيلفون الواقعة على بعد 30 كيلومتراً، شرق الخرطوم، مما أدى إلى نزوح آلاف المواطنين إلى المناطق الآمنة.
وذكر شهود أن معارك ضارية وقعت بين الجيش و”الدعم السريع” في منطقة جبل أولياء استخدمت فيها المدفعية الثقيلة، وتسبب القصف العنيف في سقوط قتلى وجرحى بين المواطنين، فضلاً عن حالات الهلع والخوف ونزوح أعداد كبيرة من السكان إلى خارج المنطقة.
ووفقاً لمصادر عسكرية، فإن “الجيش السوداني قصف بالمدفعية الثقيلة أهدافاً لـ(الدعم السريع) في الخرطوم وغرب أم درمان، كما قصف الطيران الحربي التابع للجيش مواقع لـ(الدعم السريع) في وسط العاصمة ومحيط سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة العسكرية جنوب الخرطوم، بينما أطلق (الدعم السريع) قذائف من منصاته المختلفة سقطت في أحياء الثورة الحارة الثامنة والخامسة”.

استهداف المدنيين

وبحسب المركز الحقوقي الموحد فإن قوات “الدعم السريع” وجهت عدداً كبيراً من القذائف باتجاه منطقة جبل أولياء جنوب الخرطوم سقطت في السوق الرئيسة وعدد من الأحياء عقب انسحاب الجيش من نقاط تمركزه نحو معسكره في المنطقة. وأشار المركز الحقوقي الموحد في بيان له إلى أن القصف المدفعي تسبب في سقوط قتلى وجرحى ضاق بهم مستشفى جبل أولياء في ظل انقطاع الكهرباء وشبكات الاتصال، مما اضطر إلى إسعاف بعضهم في مستشفى جار النبي ومستشفى القطينة التعليمي بولاية النيل الأبيض.
ودان البيان استمرار الانتهاكات واستهداف المدنيين العزل واتساع رقعة الحرب لتشمل المناطق الآمنة وامتدادها إلى المدن والولايات المجاورة في ظل وضع إنساني بالغ التعقيد.
وحمل المركز الحقوقي الموحد، “طرفي النزاع المسؤولية القانونية عن ارتكاب هذه الجرائم النكراء والمتكررة الناتجة عن العمليات العسكرية العشوائية، والتي تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقاً للقانون الدولي الإنساني، كما أنها تمثل انتهاكاً صريحاً للنظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية”. وطالب البيان بضرورة “التحقيق العاجل في الانتهاكات التي رافقت العمليات العسكرية”، داعياً الطرفين إلى “الكف عن استهداف المدنيين والزج بهم في الحرب المستعرة واحترام قواعد القانون الدولي والإنساني”.

نهب الممتلكات

وقال الناطق الرسمي للجيش السوداني العميد نبيل عبدالله، إن “الميليشيات الإرهابية قصفت المنازل السكنية بمحلية جبل أولياء، مما أدى إلى مقتل وجرح نحو 40 مدنياً، كما طردت الميليشيات أيضاً 25 أسرة من حي العباسية بأم درمان ونهبت منازل المواطنين بحي النخيل مربع 18 و19”. وأضاف عبدالله أن “نطاق القصف العشوائي للميليشيات الإرهابية للأحياء السكنية توسع في العاصمة سعياً إلى إجبار المواطنين على إخلاء منازلهم بغرض نهبها أو استخدامها للأغراض الحربية، وهو مسلك ظلت تسلكه هذه القوات المتمردة منذ اندلاع الحرب باستهدافها المواطن السوداني ونهب ممتلكاته واستباحة حرماته”.
من جهتها، أكدت لجنة المقاومة في محلية جبل أولياء سقوط قنابل داخل منازل المدنيين في هذه المنطقة الصغيرة الواقعة على بعد نحو 50 كيلومتراً، جنوب الخرطوم، مشيرة إلى أن قوات “الدعم السريع” أطلقت “قذائف مدفعية ثقيلة على المنطقة، في أحدث هجوم لها على مناطق كانت في السابق بمنأى من القتال”.

مسارات آمنة

في الأثناء، أظهر فيديو لقائد متحرك ولاية الجزيرة في قوات “الدعم السريع”، أبو عاقلة كيكل، بث على مواقع التواصل الاجتماعي، وصوله مع مجموعة من الأفراد العسكريين إلى بلدة العيدج في ولاية الجزيرة جنوب العيلفون، قائلاً “نحن الآن في منطقة العيدج بمحلية ود راوا، وفي طريقنا إلى رفاعة، حيث رئاسة محلية شرق الجزيرة، ومنها إلى مدني عاصمة الولاية”. وواصل كيكل “ليس لدينا مشكلة مع مواطن، ولا يمكن أن نمد أيدينا ضد أي مواطن ولن ننهب المنازل أو نوجد فيها”.
وكانت قوات “الدعم السريع” قد هاجمت الخميس والجمعة بلدة العليفون وأجبر القتال آلاف المواطنين على الفرار، لتلاحق تلك القوات اتهامات بنهب المنازل والمتاجر وسيارات المدنيين واعتقال عشرات السكان.
وبررت مصادر متابعة هذا الهجوم بأنه جاء رداً على هجوم نفذه الجيش السوداني مسنوداً بالطيران الحربي على مواقع وتجمعات لقوات “الدعم السريع” في منطقة سوبا شرق الخرطوم.
من جانبها، ناشدت لجان مقاومة العيلفون “منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية الضغط على طرفي الصراع لفتح مسارات آمنة لخروج المواطنين من هذه المنطقة، والإفراج عن المعتقلين، إضافة إلى إيصال الماء والطعام للمحتجزين بالقوة”. وأضافت اللجان في بيان لها أن “(الدعم السريع) مارست أسوأ أنواع القتل والتعذيب والترهيب والاستفزاز والإذلال لسكان المنطقة”.

عرقلة الحلول

وحول تطورات الوضع العسكري في السودان ومآلاته، صرح القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) شهاب إبراهيم الطيب لـ”اندبندنت عربية” بأنه “للأسف إن استمرار المعارك بين يزيد من حجم الانتهاكات التي يتحملها المواطن ويدفع كلفتها، فضلاً عن زيادة تدهور الوضع المعيشي والضغط على ما تبقى من خدمات في المناطق الواقعة خارج ساحة القتال نتيجة لنزوح أعداد كبيرة من المواطنين”. وأردف “في الحقيقة كلما طال أمد الحرب تتعقد مسألة التوصل إلى حل يؤدي إلى إيقاف الحرب نفسها، إضافة إلى إمكانية حدوث تحولات واتجاهات جديدة في الحرب بدخول مجموعات لها مصالح في استمرار هذا القتال”.
وزاد الطيب “إن جهودنا في قوى الحرية والتغيير لإيقاف هذه الحرب لم تتوقف، فهي مستمرة سوى بالتواصل مع طرفي الصراع أو مع الفاعلين الدوليين والإقليميين، وذلك انطلاقاً من إحساسنا بالمعاناة التي ألمت بشعبنا وهو يقبع في مناطق النزوح واللجوء داخل البلاد وخارجها”. واتهم المتحدث ذاته “عناصر الحركة الإسلامية بعرقلة مساعي التوصل إلى الحل السلمي، لذلك فإن فرض عقوبات على بعض قادة هذه الحركة غير كافٍ، فلا بد من تصنيفها كجماعة إرهابية، لكن من المؤكد أن طرفي النزاع سيعودان إلى منبر جدة في الوقت القريب لاستئناف المفاوضات من أجل وقف هذه الحرب”.

ومضى القيادي في الحرية والتغيير بالقول “لا يستطيع الطرفان إنكار ارتكابهما لانتهاكات كبيرة وعديدة، وهي متكررة بصورة يومية ما دامت الحرب مستمرة، فقوات (الدعم السريع) تعتقل المواطنين وما زالت تحتل منازلهم، كما أن الجيش يقصف بالطيران مناطق يوجد بها مدنيون، من ثم لا بد من تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتقصي في كل الانتهاكات التي حدثت من الجانبين، وتقديم المتورطين إلى المحاكمة العادلة”.
وكانت منظمة “أكليد” (ACLED) المتخصصة في جمع بيانات النزاعات وأحداثها قد قالت إنه بحلول أكتوبر (تشرين الأول) الجاري تم تسجيل أكثر من 9000 حالة قتل في السودان، مؤكدة أن تقديراتها متحفظة.
وأجبر القتال ما يقرب من 4.3 مليون شخص على النزوح داخل السودان، فضلاً عن نحو 1.2 مليون آخرين فروا عبر الحدود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى