الأعمدة

الأمر ليس طق حنك ..

ومن يظن ما يجري في اديس ابابا كذلك عليه مراجعة حساباته.. لم أنكر يوماً مساندتي للحرية والتغيير حتى ظن البعض أني من المنتسبين إليها رغم ان ذلك لم يحدث يوما.
ولم يكن الموقف المساند آت من فراغ، ولكن إذا نظرت إلى تكوينات ذلك التحالف عند ميلاده في يناير 2019 ستجده حينها يمثل أكبر تكتل عرفه تاريخ السودان الحديث. وجمع في جوفه تيارات مختلفة تبدأ من أقصى اليسار إلى يمين الوسط فاستحق التفويض غير المشروط الذي منح له. وعندما سقط النظام الإسلاموي ظهرت التباينات التي أخفاها العدو المشترك.
تقلص هذا التكتل وخرجت منه قوى ذات تأثير بلا شك، غير أنه حافظ على ديناميكته وتقلبه مع العواصف التي واجهته رغم حداثة تجربة بعض مكوناته، وبالضرورة قياداته. لكنه ظل يناور في الممكن ويستعصى ويستعصم، إذ أريد له ومنه أن يلعب خارج دائرة الممكن. تلك المنطقة وذاك المنطق جعله “تختة” لتنشين الأصدقاء والأعداء معاً، فالأول يريدون له أن يكون بوقا يردد شعارات لا يملك من الأدوات التي تجعلها تخرج من دائرة الفكرة إلى حيز الممكن، والآخرين ظنوا في مرونته ضعف يمكنهم من نزع أهداف التغيير عنه قطعة قطعة، حتى يقول طفلهم إني أرى فرعون الثورة وقائدها عارياً من غير ثياب. وعندما خاب مسعاهم وطاش رصاصهم عن هدفه زجوا بقيادته في السجن.
دخلت تلك القيادات السجن وخرجت منه بذات المرونة المتحكم فيها، المعروفة محدداتها والمرسومة أهدافها، فانتجوا عملية سياسية كادت أن تخرج البلاد إلى بر الأمان لولا أن تكالبت عليها “خفافيش الظلام” فوأدتها دون النظر للفاتورة التي سيدفعها المواطن.
لم يركن هذا التحالف إلى اليأس ولم تزلزل أقدامه حملة مرتبة ومتقنة ومتعوب عليها، ممثلة في حرب ظاهرها الدعم السريع وباطنها وأد هذا التنظيم الذي فشلت كل الأساليب في تطويعه وبالعدم دفعه إلى التطرف والمواقف المتحجرة.
تعامل تحالف الحرية والتغيير مع الحرب بذات الذهن المنفتح. لم يرقص رقصة الهياج التي أرادوه أن يكون طرفا فيها بدفعه دفعا إلى وجهة محددة رسموها له. فأجاد المناورة واللعب في الملاعب الملغومة، واختط لنفسه طريقا لم يحد عنه طيلة شهور المحنة هذه.
والآن يجمع وآخرين كل السودانيين لما هو أكثر قوة ومقدرة وأوسع قاعدة وفكرة، ليحاصر الأجندة الحربية. ربما يكلفه التحالف الجديد هذا اسمه الذي يعود له الفضل في إسقاط أعتى وأعنف وأطول دكتاتورية ثيوقراطية عرفها السودان بعد (المهدية).
لكن بلا جدال، ما يتخلق الآن يتميز بأنه أقوى لأنه سيستفيد من تلك التجربة، ويستلهم منها مسيرته المقبلة، وهو يضم تلك القيادات التي استطاعت أن تحافظ على توازنها في أعنف المنعطفات. ويشد عضده آخرون كانوا بعدين عن تلك التجربة أو متحفظين عليها، وهم الآن في مرحلة الإحماء وقادمون بأفكار أولاً وطاقة ثانياً، ستجعل القادم أقوى وأكثر تأثيراً في مرحلة الحرب هذه وفيما بعدها وان غد لناظره قريب.
نعم ما بدأ في أديس أبابا الآن هو الفصل الأخير من تحالف الحرية والتغيير، ولكنه بداية جديدة لعملية التغيير الحقيقي. فالروح التي سادت الاجتماعات التحضيرية ومنهج معالجة الخلافات فيها بالاساليب الديمقراطية تبشر بمولود سيكون له الكلمة العليا في مستقبل البلاد.
ونختم بما بدأنا من يظن أن ما يجري في أديس ابابا إنه مجرد تغيير إسم عليه مراجعة
حساباته.
عثمان فضل الله
أديس أبابا
الثلاثاء ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٣
#إجتماع_الراديسدون
#جدة_غير_وفيها_الخير
#قلبي_على_وطني
#حرب_كرتي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى