الأعمدة

الاستاذ الراحل محمد ميرغني : طيف ذكراك بدمع القلب أبكاني

ويتواصل مسلسل الاحزان السودانية والتي لم تتوقف منذ اندلاع الحرب اللعينة التي بدأت في ابريل الماضي و لا تزال تدور رحاها حتى الان و بدون وجود مؤشرات لانتهائها ففي 13 نوفمبر الماضي فجعت البلاد برحيل الأستاذ الموسيقار محمد الأمين و الان و قبل ان تجف الدموع تجدد الحزن مرة أخرى بوفاة الاستاذ القامة و ملك التطريب و أستاذي و ابن حلتي الأستاذ محمد ميرغني , وبرحيله فأنني اقول وبمنتهى الوضوح اننا في السودان قد فقدنا اخر عمالقة فن الغناء و الموسيقى في السودان فبعد الامبراطور وردى الذى توفى في العام 2012 والفنان الاديب عاشق وطن الجمال الكابلي والذى توفى في 2021 و الباشكاتب الموسيقار الهرم محمد الامين والذى فقدناه في 13 نوفمبر الماضي واخيرا الاستاذ محمد ميرغني صباح اليوم الاثنين 12 ديسمبر2023 , ان فن الغناء و الموسيقى في السودان قد ترمل تماما و اتشح بالسواد ورحل الابداع عن ديارنا الى اجل غير مسمى ! فبرحيل هؤلاء الاساطين قد خلت الساحة الفنية تماما من الفنانين المبدعين الذين اكرمنا الله سبحانه و تعالى بوجودهم بيننا وجاد بهم الزمان لنا ( جاد الزمان عطر ليلتنا بالأفراح ) وفى لقاء مع شاعر جمهورية الحب إسحاق الحلنقى كما يطلقون عليه قال في احد اللقاءات بعد وفاة وردى و الكابلي قال و هو في قمة الياس و الإحباط من ما يشاهده في الساحة الفنية من هرج و مرج و زيطة و زمبليطة من جوقة يسمون انفسهم فنانين و مبدعين و سلاطين و ملوك وانهم في الحقيقة مفلسون فنيا لا يملكون اغانيهم الخاصة و لا شغل لهم سوى ترديد اغانى الاخرين و احتكار أدائها حتى ظن الكثير من الناس الذين ليس لديهم الاطلاع الكافي بان هذه الأغنيات ملكا لهم و الأمثلة كثيرة لا حصر لها ! والمضحك المبكى كما يقولون أصبح التنافس ينحصر فيمن هو أفضل من يؤدى اغنية الغير بينهم!! وفى هذا الصدد قال الحلنقى ” نحتاج لمائة سنة أخرى لناتئ بمثل وردى ومحمد الأمين والكابلي ” والان نحن نكمل قوله ونقول بان الحلنقى كان متفائلا بخصوص المائة عام لان ما نراه من تردى الأحوال سوف يتجاوز تلك المائة عام التي ذكرها.
الفنان الجميل من الزمن الجميل والمحب لكل ما هو جميل، الاستاذ ميرغنى محمد ابنعوف مجذوب المشهور لدى الجميع ب محمد ميرغنى والذي بدأ حياته كمدرس في المدارس الحكومية وقام بتدريس الكثير من التلاميذ الذين صاروا لهم شانا كبيرا فى حياتنا، كما كان الأستاذ رياضيا مطبوعا لعب كرة القدم في نادى الأمير البحراوي وكانت لدى صورة له وهو يرتدى شعار الأمير مع بقية الفريق .
الاستاذ محمد ميرغنى عليه الرحمة والمغفرة كان بالنسبة لنا واحد من اهم معالم بحري ورمز من رموز الختمية وكنا نفاخر به الاخرين فنقول لهم مداعبين “احنا عندنا عبد العزيز داوود وخضر بشير والكابلي وصلاح بن البادية ومحمد ميرغنى انتو عندكم منو؟؟ وكنت اسعد كثيرا بمشاهدته وهو يجلس في محل صديق عمره وكاتم اسراره المرحوم فضل السيد عريبي الترزى في سوق الختمية وهو يعطر المحل بوجوده وأحاديثه الشيقة الممتعة وعندما الاقيه كنت يتلطف معي في الحديث بالسؤال عن الاهل والعائلة وكنت أقف امامه متأدبا فالرجل بلاضافة الى كونه أحد الشخصيات القومية ذائعة الصيت واسعة الشهرة، كان يمتلك هيبة هؤلاء المدرسين الذين كنا ونحن صغار نختبئ عند رؤيتهم وهم يسيرون في الطرقات. وبدون العصبية للمنطقة او الحلة فان الأستاذ محمد ميرغنى كان يعتبر بدون مبالغة ملك التطريب فى الاغنية السودانية و رائد المدرسة الرومانسية حيث الكلمة الرقيقة المعبرة “اشتقت ليك ساعة المساء فرد الجناح لملم مصابيح النهار والكون شرب لون الجراح والعتمة نامت في الدروب والليل لبس اجمل وشاح ” بلاضافة للألحان الجميلة المسبكة من الأستاذ الراحل المبدع حسن بابكر ” انا و الاشواق” وكنت في منشور سابق تحدثت عن اغنيته الرائعة ” لما تطلع يا صباحى ” و قمت فيها بتحليل الكلمات و الخط اللحني لها وبينت مدى الشحنة الإبداعية الموجودة فيها مع الأداء الخرافي للأستاذ محمد ميرغنى
نسأل الله أن يتقبله في واسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.. وأن يربط على قلوب أهله ويلهمهم الصبر والسلوان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى