الأعمدة

تماسيح الكدرو يسبحون في بحور الشرف والشهامة! الحلقة 3))

الشهيد الرائد الطيار / عبد القادر احمد عبد القادر السيد تمساح الكدرو

“لقد قلدتموني سيفاً واهديتموني مصحفاً فأدعو الله مخلصاً أن يوفقني لأن أسير بالأول على هدى الثاني”
(االشهيد الطيار عبد القادر الكدرو)
بقلم: أمير شاهين
في أوائل السبعينات من القرن الماضي اصدر الرئيس الأسبق جعفر نميري قرارا بإطلاق اسم ” الطيار الكدرو ” على شارع المعونة اشهر شوارع الخرطوم بحرى و العاصمة المثلثة وذلك تخليدا لذكرى الشهيد طيار عبدالقادر الكدرو احد رموز ومؤسسي سلاح الطيران السوداني والذى استشهد في يوم 3مارس 1963 اثر تحطم طائرته التي كان يقودها في سماء الخرطوم على ضفاف النيل الأزرق قرب وزارة التربية و التعليم في استعراض جوى بمناسبة زيارة الرئيس اليوغندي الأسبق ميلتون ابوتى الى السودان وقتها , ولم يكن ذلك التكريم من قبل الرئيس نميري غريبا فقد كان معروفا باحترامه و تقديره الكبير لكل ما يمت للقوات المسلحة السودانية ورموزها بصلة . والتي كانت في زمنه مصنفة من أفضل القوات المسلحة في افريقيا من حيث التدريب والتأهيل والتسليح، وفى يوم الكدرو قامت هيئة الإذاعة البريطانية ألبي بي سي أشهر الإذاعات في العالم في وقتها بقطع ارسالها لتعلن نبأ وفاة الطيار الكدرو معلقة على ذلك بان السودان قد فقد أعظم طيار فى افريقيا!
الشهيد الصاغ (رتبة الرائد) عبد القادر الكدرو كان كالنجم الذى سطع في السماء و نشر الضياء والنور حوله و لكنه سرعان ما هوى و انطفأ وعند استشهاده كان في الثلاثين فقط من عمره وكان في تلك الأيام في إجازة للزواج و لكن الرئيس وقتها إبراهيم عبود كلفه بقيادة سرب الطائرات في الاستعراض الجوي لأنه وقتها لم يكن سلاح الجو السوداني يملك العدد الكافي من الطيارين فكان لابد من استدعائه و قطع اجازته لهذه المهمة و التي كانت الأخيرة في حياته!! وكان عليه الرحمة محبوبا من الجميع متفوقا في الدراسة فقد كان اول الدفعة الخامسة في الكلية الحربية في العام 1954 و اول دفعة الطيارين عند تأسيس سلاح الطيران في يوليو 1956 , كما كان مشهورا بسعة اطلاعه و ثقافته العالية و اجادته التامة للغتين العربية و الإنجليزية وكانت له عدة مقالات في مجلة حامية الخرطوم و تجلت هذه البلاغة عند ارتجاله لكلمة ظلت خالدة ومحفورة في ذاكرة الزمن ففي الحفل المسائي الذى أقيم بمناسبة التخرج حينما اهداه وزير الدفاع وقتها خلف الله خالد سيف و مصحف فقال : [قلدتموني سيفاً وأهديتموني مصحفاً فأدعو الله مخلصاً أن يوفقني لأن أسير بالأول على هدى الثاني] وهذا يبين بوضوح صفاء وقوة الشخصية التي كان يتمتع بهما !! وهذا ليس بغريب عليه بحكم تربيته و بيئته التي تربى فيها فوالده الفقيه احمد عبدالقادر السيد كان خليفة الدواليب و شيخ الطريقة التيجانية وامام مسجد الكدرو العتيق و العريق لمدة تناهز ال 71 عام كما أيضا معلما في المدارس و جده لامه هو الناظر محمد السيد تمساح الكدرو ناظر خط الوسط و الدواليب الذى كان مشهورا بالكرم و الشهامة و الحكمة كما سبق وان ذكرنا ا في الحلقة السابقة من هذه السلسلة عن تماسيح الكدرو وفى هذا ا الصدد فيحكى ان والده الشيخ احمد عبدالقادر شيخ الطريقة التيجانية وامام جامع الكدرو العتيق العريق لمدة تناهز ال71 عام وقد أسرّ لبعض خاصته قبيل استشهاد ابنه [ فقال : الولد ده ( عبدالقادر الكدرو) أنا من كم يوم شايف نجمو غايب]! وهذا ما نسميه شفافية المؤمن المتصوف وقلب الوالد الذي لا يكذب،
وتقول السيرة الذاتية للطيار الشهيد الكدرو على حسب ما ذكر في كتاب ” الدواليب الركابية في السودان” لمؤلفه الأستاذ الباشمهندس إبراهيم عبد الرحمن إبراهيم وهو ابن عم وصهر الطيار الشهيد ان عبد القادر احمد عبد القادر ولد في الكدرو ضواحي بحري عام 1933م لأب هو شيخ الطريقة التيجانية هناك وإمام الجامع كما ذكرنا. تلقى عبد القادر دراسته الابتدائية بمدرسة الحلفاية الأولية ودرس المرحلة المتوسطة بمدرسة الخرطوم بحري الأميرية الوسطى والمرحلة الثانوية بمدرسة وادي سيدنا ثم التحق بالكلية الحربية عام 1952م وتخرج فيها عام 1954م وكان أول [الدفعة 5] . تعين الكدرو ملازماً ثانياً في سلاح الهجانة بالأبيض ثم ألحق بسلاح الطيران عند نشأته في يوليو عام 1956م وكان أول الدفعة أيضاً حيث تلقى دورات طيران في كل من بريطانيا ومصر.
في اول شهر مارس عام 1963م كان الطيار الكدرو في إجازة للزواج وكان كما يقولون على بعد خطوات من إتمام مراسم الزفاف بعد ان أكمل سد المال وقام بأخبار الاهل والاقرباء بموعد الزواج ولكن يبدو ان الله تعالى اختاره ان يكون عريس في الجنة! فقد استشهد في تحطم الطائرة قبل الزواج بفليل اذ أن الرئيس وقتها الفريق إبراهيم عبود والذى كان معجبا بصورة خاصة بالكدرو بسبب كفاءته المتناهية و عسكريته المنضبطة و المرموقة وكان يرى فيه مستقبلا واعدا في قيادة سلاح الجو السوداني و الجيش السوداني بصورة عامة فقد استبقاه ليقود تشكيل الاستعراض الجوي بمناسبة زيارة الرئيس الأوغندي –ملتون أبوتي- للبلاد ولا بد أن عبود أراد أن يفاخر أمام ضيفه الإفريقي كيف أنه وفي خلال بضع سنوات فحسب قد أنشأ جيشاً قوياً يحمى البلاد و العباد و يفخر به الأصدقاء و يهابه الأعداء ويعملون له الف حساب و الحق يقال فقد كان الجيش السوداني في مقدمة جيوش القارة الأفريقية من كل النواحي و يكفى فخرا بان الكلية الحربية السودانية كانت كالمنارة السامقة التي يحلم جميع العسكريين في البلاد العربية و الافريقية بالالتحاق بها و التخرج منها لم عرف عنها من تقديمها لأفضل العلوم العسكرية واجود المناهج و احسن المدربين
وفى الاستعراض الجوي الذى كان في يوم الاحد 3 مارس 1963 وفى حوالى الساعة الثالثة عصرا كان الكدرو في الموعد تماما وكان عند حسن الظن به من الجميع كطيار بارع لا يشق له غبار فسرعان ما صعد إلى الجو بمعدل تسلق أذهل المشاهدين ومضى هادراً صخاباً يصفق بجناحيه في –المدى التكتيكي- رأسياً وتنازلياً ثم ينخرط في مناورات أفقية حادة مع تقليل نصف قطر الدوران في كل مرة حتى سقط فجأة بناحية كوبري النيل الأزرق كالنجم إذا هوى!!
يقول شهود العيان الذين هرعوا إلى موضع الحدث لحظة وقوعه بأن مساعده اليوزباشي(النقيب) طيار بشارة احمد الرضي- كان قد فارق الحياة بينما الكدرو في النـزع الأخير يردِّد من خلال الدماء التي غطت وجهه وصدره “الكرسي ما شغال” “الكرسي ما شغال ” يقصد مقعد الطيار ويقصد به المقعد القاذف Ejection seat الذي كان ينبغي أن يقذفه بعيداً عند الضغط عليه في حالة الطوارئ
ونواصل

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى