الخروج من “نفق” حماس والهروب من “كوبري” عباس!
المجازر اليومية التي يرتكبها الصهاينة في غزة والضفة ، ، تكشف الأوراق كاملة :
ـ أولها: أن المجتمع الإسرائيلي كله عنصري، لا يتردد في ذبح الإنسانية، وإلقاء “ضميرها” في وجوه العرب والمجتمع الدولي، ما يؤكد أن الدولة العبرية لا يجدي السلام معها، وإذا ما تم ، فبشروطها ، وتحت سقف الإذعان.
ـ ثانيا: الحقيقة التاريخية الدامغة ، تتجلى من جديد في غزة ..” ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة” .. حتى لو انكسرت حماس (لا قدر الله)، لن تتبدل الحقيقة، ولن ينتزع الفلسطينيون حقوقهم المشروعة إلا بالقوة أمام تنظيم عسكري إرهابي، يتخفى وراء دولة، يرى قاطنوها أن العرب حيوانات بشرية تستحق الذبح.
ـ ثالثا: نجاح أمريكي باهر في تحييد العرب، ولملمة أوراق قوتهم، ورقة ورقة، ما منح إسرائيل بمشاركة الولايات المتحدة، السيطرة على “مساحة شاسعة” من المجال الاستراتيجي العربي، يتحركان فيها كيفما يشاءان، ويسعيان إلى ترسيم حدود جديدة لإسرائيل، تعيد تقسيم “تركة” مستر سايكس ومسيو بيكو، على قاعدة استبدال “دول الطوق” التي شكلت يوما ما المصدر الرئيس للخطر، بدوائر من مجتمعات دينية وإثنية وعرقية، تنشغل فيما بينها بماضيها كما تشاء، وتترك لها الحاضر ترتع فيه كما يحلو لها.. خريطة سياسية جديدة ، تضمن لإسرائيل الهيمنة.. وهو ما يجرى بانتظام ودقة ، سوريا تم تدميرها، وتقاوم فكرة تقسيمها إلى سنة وعلويين ودروز وغيرها من مسمياتهم، العراق يحكمه دستور طائفي، لبنان سنة وشيعة وموارنة، السودان الذي فقد جنوبه بالتقسيم يفقد الآن دارفور، التي أصبحت تتمتع بالحكم الذاتي تقريبا، ليبيا مهددة بالقبلية والتقسيم بين شرقها وغربها .. اليمن مشروع قديم يتجدد للتقسيم وفصل شماله عن جنوبه،، خلاصة الموقف: الأبوب مغلقة، تشتعل فيها النيران.
الأوراق المكشوفة ، وضعت مصر في مأزق أخلاقي وسياسي صعب .. “الإنسانية” كلها في ذات المأزق، لا توجد قوة على الأرض تستطيع إيقاف جرائم القتل والإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في أفظع مجزرة إنسانية عبر التاريخ .. حتى المساعدة الإنسانية، في أقل مستوياتها، تعجز البشرية عن مد يد العون لها .. كوكب الارض كله ينكشف في أزمة المناخ، ويتعرى في أزمة الأخلاق.
في مصر، ورغم أن غالبية المصريين الكاسحة (من أكبر إلى أصغر رأس) يختمون صلاوتهم في المساجد والكنائس بـ “الدعاء على اسرائيل”، إلا أن ذلك لا يلغى كون القاهرة في اختبار أخلاقي صعب، أمام نفسها وتاريخها وموضعها، قبل أن يكون أمام الغضب الشعبي العارم، من الإجرام الصهيوني في غزة والضفة، وأمام أشقائها العرب الذين تعهدت لهم، الوصول لنجدتهم في غضون الزمن الذي تقطعه مسافة السكة.
المأزق سببه “قلة الحيلة” المصرية أمام المجازر الإسرائيلية ، ربما بسبب الحشد الهائل للسلاح الأمريكي في الإقليم، وربما بسبب التواطؤ الأوروبي، أو لهشاشة الدور العربي في ملف الأمن الإقليمي، وربما للموقف الاستراتيجي العام، الذي يقيد حركتنا ويجعلنا “محلك سر” من الجنوب والغرب والشرق .. حتى البحر في الشمال، الذي بدا وكأنه يموج علينا بالخير، فإذا بإسرائيل تضع أصبعها في “الأنبوب”.
مصر لا تمتلك غير أوراقها في الأزمة الحالية، ولا يجب أن تراهن أبدا على الوعود الأمريكية، أو العهود الإسرائيلية، إذا ما كانت تسعى إلى صد ورد الهجمة الصهيونية على سيناء بالسلاح والسياسة.
مصر تكاد تكون وحيدة، لا تستطيع الاستعانة بالجمهور، ولن ينجدها الاتصال بصديق، وأمامها اختياران لا ثالث لهما، إما الانصراف بعيدا ، مع ضمان حرية “التسول” ، أو الحضور المؤثر في ترتيبات ما بعد الحرب، بما بزيح عن كاهلها أعباء لا حصر لها، أقلها الابتزاز بمياه النيل.
ليس أمامنا سوى المقاومة الفلسطينية، لتقوية أوراقنا الدفاعية في صد الهجمة ، ليس بالسلاح إنما بالسياسة .. إعلان مصر موقفا قاطعا، بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي اتساقا مع المواثيق الدولية، يمهد الطريق أمام مصر لاستحضار المقاومة في ترتيبات ما بعد الحرب .. حضور يمكنه لاحقا من انتزاع اعتراف دولى بكون حماس والجهاد طرفان أساسيان في أية مفاوضات لحل الدولتين.. الضفة وغزة خط الدفاع الأول عن أمن مصر، وعليها أن تحافظ على المقاومة للصالح القومي، أمام الأطماع التوسعية لإسرائيل.. وفي الموضوع رفض التوقيع على “بيان” شلة شيطنة حماس ووصفها بالإرهابية ، حتى لا نصادر على المناورات االسياسية التي يمكن تأديتها لاحقا، واعتبار المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها، حركة تحرر وطني ضد احتلال عسكري، على النحو الذي نص عليه القانون الدولي، ما يعفي مصر لاحقا من التورط والوقوع في “شبكة الضغط ” للقضاء على المقاومة المسلحة في فلسطين المحتلة، و تسريع خطوات الاستيلاء على كل فلسطين، للإنتهاء من المرحلة الثانية لأسطورة الزحف نحو النيل والتمدد إلى الفرات.. المقاومة الخيار الأخير والوحيد أمام الشعب الفلسطيني لانتزاع حقه في الوجود والوطن، والقضاء عليها خطأ تاريخي مدمر، يقودنا إلى نكبة جديدة على فلسطين وعلينا هنا في مصر.
الرهان على السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس لا يجدي، بعد تنكر نتينياهو لاتفاقات أسلافه، وقيامه بإحراق أوراق أوسلو، ونثرها على أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ في غزة .. فضلا عن أن السلطة ألقت بكل “بيضها” في السلة الأمريكية، ولم تمانع أن تكون “كوبري” يعبر من فوقه الأمن الإسرائيلي إلى غزة، لاغتيال قادة حماس، منذ أن افترق الشقيقان العام 2007، واسرائيل تتعامل مع عباس وفق تلك الرؤية .
على أية حال فقد “مص” نتينياهو الدماء السياسية لعباس والسلطة، قبل أن يمص دماء الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة .. سلطة شاخت واستنزفت أغراضها بالكامل .
باختصار ليس أمام مصر سوى الخروج من “نفق” حماس، والهروب من “كوبري عباس”، وتعظم ـ قدر ما تستطيع ـ من حضور المقاومة السياسي في أية حلول سياسية مقبلة.. مصر في حاجة ماسة إلى مزيد من أوراق القوة، ليس بالسلاح إنما بالسياسة والقانون الدولي، وفي حاجة إلى عين ساهرة في الخط الأمامي، تحرسها إذا ما غفت قليلا، أمام المخاطر التي تهددنا سويا .. تستطيع مصر تجاوز المأزق الأخلاقي اعتمادا على السياسة، والأخيرة أوراقها كثيرة تفسح المجال لأكثر من اختيار وبديل.
الخروج من نفق حماس والهروب من “كوبري” عباس ، قد يمنح مصر بعضا من “قوة الحيلة”.