الأعمدة

إنها فعلا ذاكرة الذباب !

في صبر وجلد وفي ظل ندرة أدوية الضغط والسكر واحتقان الفشفاش هذه الايام في سودان العزة .. كنت استمع إلى تحليلات قناة طيبة الكيزانية التي يجاهد من خلالها امثال حسن طرحة و عامر حسن عباس و الطاهر حسن التوم وذلك الدكتور الذي وصف المذيع ناجي بأنه طيرة في سابقة إعلامية تحسب له في ميزان حقوق قلة الأدب على الهواء مباشرة .
طبعا الحاسة الصحفية تملي على أمثالي من كتاب الرأي أن نستجمع كل وجهات النظر المتباينة الرؤى و المتناقضة في التقييم لهذه الحرب اللعينة ..وبما أن الأمانة تقتضي أن لا نبري اي فصيل سياسي من إسهامه في تصعيد التداعيات التي كانت مقدمة لانطلاق شرارة الحرب سواء كانت عبر سياسة الإقصاء دون تمييز في المواقف التاريخية والوطنية أو محاولة احتكار النطق بلسان الثورة ومزاعم تمثيل جماهيرها دون الآخرين حتى من اولئك الذين شاركوا في تحريك الشارع ..فضلا عن اولئك الذين نفضوا أياديهم من طحين الحرية والتغيير و باتوا قاب قوسين أو أدنى من الذين سعوا إلى تقويض حكومة الفترة الانتقالية بذات القدر من تكسير مقاديفها إلى أن جعلوها صيدا ثمينا لانقلاب البرهان حميدتي في الخامس والعشرين من أكتوبر المشئؤم مما جعل الطريق ممهدا أمام معارضي الإطاري إلى تكثيف تلك الحملات التعبوية الرمضانية التي سبقت اندلاع الفتنة !
غير أن أكثر ما كان يلفت النظر في تحليلات اشاوس طيبة الشيخ عبد الحي دون أن ينعقد له حاجب الدهشة هو ضعف ذاكرة اولئك المحللين الذبابية وهم يتحدثون عن الدعم السريع و يستعرضون فظائعه الموثقة بكاميرات صبيانه وكأنه كان وليد ليلة هذه الحرب ولم يتدرب على تلك الفظاعات والافعال القذرة في انسان دارفور كفئران تجارب منذ أن أوكل اليه جيش الإنقاذ القيام بتلك لمهام وكانوا هم أنفسهم من يدافعون عنه باعتباره في نظرهم رافدا نقيا من سلسل الجيش الكوثري ..بل واقاموا الدنيا ولم يقعدوها محتجين برفع المصاحف على أسنة الرماح حينما تداعى العالم عبر منظمته الأممية لتصنيفه كمليشيا إرهابية خلال تلك الفترة العصيبة من تاريخ جراحاتنا !
وهاهم الان يتداعون في تباك و حرقة دموع التماسيح داعين لنعته بتلك الصفة الذميمة مستندين إلى تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية وقد أشارت بوضوح إلى مذبحة المساليت تحديدا التي قضى فيها بسلاح الدعم السريع حسب ذلك التقرير خمسة عشر ألف إنسان بدوافع عنصرية وبدواعي تفريغ أرضهم المستحقة تاريخيا وإحلال اثتيات اخرى وافدة من الخارج أو متعدية بمنطق السلاح من الداخل !
ولم يخطر بذاكرة اولئك المحللين مدفوعي الاجر مقتل
ثلاثمائة ألف إنسان دارفوري خلال تضامن الدعم السريع نفسه مع الجيش في أبادة استوجبت طلب رئيس النظام البائد شخصيا وآخرين من رجال ذلك النظام وقادة ذات الجيش و الجنجويد الذين كانوا نواة الدعم السريع إلى المحكمة الدولية الجنائية وهم الآن سارحون خارج السجون منهم من يديرون هذه الحرب من فوق رتبة الفريق اول أعلى كتف قائد الجيش ذاته البرهان الذي جعل من شوكة الدعم السريع بهذه القوة حتى انغرست في خاصرة الوطن بعد أن ثقبت هيبة بزة الجيش و نتفت لحية قادة الحركة الإسلامية و أحرجت فلول الإنقاذ الذين يحاولون الان التملص من سبة إشعال هذه الحرب و يسعون دون خجل أو حياء في ذات الوقت لمسح تلك الصور عن شريحة ماضيهم الاسود المتمثل جزئيا فقط في إبادات دارفور.!
و كأنما وجود علي كشيب في حراسات محكمة لاهاي لقضاء شهر العسل وليس شاهدا على أن التاريخ له ذاكرة حديدية وليست ذبابية مثل ذاكرتهم ..يا هداهم الله وايانا .
أنه من وراء القصد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى