الأعمدة

لن يؤتى السودان من كردفان

من الأمثال الشعبية السودانية المعتقة ( الحضر أبوه بيعرف كلام جدو ) والذي عرفناه عن اجدادنا وجداتنا من قديم الزمان لم يؤت السودان وشعبه الفاضل عبر تاريخيه القديم والحديث من بوابة كردفان الغرة ام خيرا جوة وبره بولاياتها الثلاث شمالا وجنوبا وغربا والشواهد التاريخية تعج بها صفحات التاريخ وسجل الناصع سنورد للقارئ الكريم … ولراكبي حمير الضيفان بعض الأمثلة لعلهم يستدركون ….
ومن أمثالهم ( الخلفة مابتلحق القندول) ومنها ( العود برمي جمرايتو ) بمعنى العود السميك بنتج جمر غليظ وقاد والعكس صحيح ويقال النار تلد الرماد والرماد بيلد السجم والسجم رماد ناعم خفيف عالق خلف الدوكة الصاج الكلول القدرة مسميات أدوات الطهي الشعبية ، كردفان الكبرى عبر التاريخ هي العمود الفقري للسودان وبوتقة إنصهر في احضانها بصورة عملية صادقة تنوع الشعب السوداني بلا إستثناء ، كردفان قضت مبكرا بأدوات الوعي الرسالي والإنساني السوداني المتواضع الأصيل على النزعات الجهوية والقبلية والعرقية والعنصرية والتقاطعات الطبقية ووسواس النقاء العرقي القهري وعلى المتحفية القبلية والعرقية ..
كيف لا ومن قيمهم الإجتماعية الراسخة يقولون ( الشاكاك عاداك ) ( والحلفك كتلك ) ( والعاشاك ماشاك والعكس صحيح ) بمعنى من أطعمك وبادلك الطعام … ويقولون ( الأخدك خاواك ) بمعنى صاهرك والراجل ( برجالا والكريم بأم عيالا ) بمعنى كرم الرجال وبخيلهم عهدة طرف زوجته ويقولون النسيب عين شمس والمرأة وليان وعريشة المجتمع وسر تنسيجه في الأزل وجسر تواصله المتين وتعارفه الأمين والعيال تربية والرجال مواقف ودناقر ماكبر عناقر ومن أقوالهم الفشة غبينتو خرب مدينتو والولد ولا خراب البلد … بمعنى يمكن أن تخسر عزيز الولد ولا تخسر وتتسبب في خراب البلد ، ويقولون ثلاث مابدوروا الخراب سيد المال وبيت الحكم وأبو العيال الصغار ومن حكمهم ( إتفضح الموت وربى اليتيم ) بمعنى أن يد المنون يمكنها خطف ( أم ) المولود وهي على فراش الوضوع ولكن مولودها في النهاية سيلجي بالماء وترضعه الأمهات والخالات والجارات حتى يربى ويصير رجلا وإمرأة ذات شأن ، فيردون على يد المنون بالمثل أعلاه .. هذه بالضبط هي السمات الأساسية للشخصية الكردفانية الحقيقة المستمدة من ملامح وأصول الشخصية السودانية الأم لكل من أراد أن يتعرف ويقارن ويقارب خاصة في ظل زمان وأيام للأسف الشديد قد إختلط فيها الحابل بالنابل .. كردفان الكبرى ساهمت بقدر وافر في البنيات التحتية وفي السمات الأساسية للشخصية والدولة السودانية القديمة والحديثة حتي لحظة دخول التركية السابقة في العام ١٨٢١ والتي قضت بدورها على أنظمة الممالك السودانية القديمة .. ظلت كردفان حاضرة في حقب الممالك السودانية القديمة قبل الميلاد بإلاف السنين وفي الحديثة المسبعات وتقلي الإسلامية والفونج الدولة السنارية السودانية الأولى وسلطنات دارفور وغيرها ….
.عند مجيئ الثورة المهدية لم تدخر كردفان جهدا في سبيل نصرتها دين ودولة ومواقف وطنية صلبة في وجه الإستعمار التركي ١٨٢١ —- ١٨٨٥ ويكفيها في ذلك شرفا حينما لجأ إليها الإمام محمد أحمد المهدي في منطقة قدير وقدير هي تالودي الكبري وتالودي الكبرى في حقبة مملكة تقلي الإسلامية هي تقلي الجنوبية وهي نفسها العاصمة التاريخية لجبال النوبة جنوب كردفان وغرب كردفان .
تجمعت كردفان وعموم أهل السودان في تلك المنطقة (المباركة ) وخاضت على سوحها معركتين ضاريتين منفصلتين ضد التركية الأولى موقعة الجرادة بقيادة القائد التركي الشلالي والثانية بقيادة راشد بك أيمن الذي أرسلته التركية من منطقة فشودة جنوب السودان وهنا برزت ادوار أجدادنا البطل المك آدم ام دبالو مك عموم تقلي والفارس الحميدي ابو قرجة والفارس حمدان ابوعنجة الدلنج والفارس عنقرة والفارسة الحاجة رابحة الكنانية ومناشدتها التاريخية الشهيرة ( سيروا سيروا للمهدي في قديروا ) وقائمة الشرف تطول …
بعد هزيمة التركية في الموقعتين تحت الراية الزرقاء بمعنى السوداء حسب تقسيم رايات الثورة المهدية أمر الأمام المهدي قائد الثورة والمقاومة الشعبية الوطنية المسلحة الأولى أمر بالتوجه مباشرة نحو الأبيض فكانت معركة شيكان التاريخية الفاصلة التي هزمت فيها جيوش التركية شر هزيمة وقتل قائدها هكس باشا ثم توجهت المقاومة الشعبية الوطنية التحررية المسلحة عقب الإنتصار السوداني الكردفاني الباهر توجهت مباشرة صوب الخرطوم يتقدمها قائد الثورة الأمام المهدي .. وللتذكير إن نفعت الذكرى فإن أهل كردفان الكبرى عبر التاريخ هم على الدوام مع القومية النبيلة والوطنية الأصيلة والقيم الدينية الشريفة وبجانب الصدق والأمانة ونبذ الخيانة وإلا لتمكن الإستعمار التركي من الإنقضاض على المهدي والثورة المهدية في مهدها وعرينها الكردفاني وعلى الدنيا السلام ..
.لم تتوقف جهود المقاومة الشعبية الكردفانية الوطنية المسلحة عند ذلك الحد بل سجل التاريخ للمرة الثانية أنطلاقة اول ثورة وطنية ومقاومة شعبية مسلحة ضد حقبة الإستعمار الثاني الحكم الثنائى ( الإنجليزي المصري ) ١٨٩٩ — ١٩٥٦ ) إنطلقت من أهالي تلودي الكبرى في العام ١٩٠٦ عقب معركة كرري ديسمبر ١٨٩٨ بسنين قصيرة جدا .. وهي ثورة تدرس الآن في صفحات تاريخ السودان الحديث ، صحيح رغم حجمها الكبير وكلفتها الوطنية العالية تدرس في صفحات تاريخ السودان الحديث في سطر سطرين تحت عنوان إنتفاضة أهالي تلودي .. وهي بالمناسبة الثورة والمقاومة الشعبية الوطنية المسلحة الأولى التي فتحت الباب على مصراعيه امام الثورات الشعبية المسلحة بكردفان وجبال النوبة وبعموم السودان ضد الإستعمار الجديد الحكم الثنائئ ……
تلتها ثورة الحلاويين بقيادة جدنا البطل عبد القادر ود حبوبة بالجزيرة وجدنا السلطان عجبنا وإبنته مندي بالدلنج ١٩١٥ وجدنا البطل الفكي على الميراوي كادقلي ١٩١٨ وجدنا البطل كوكو كبانقو باليري تلودي الكبرى ١٩١٧ والذي تم نفيه إلى الخرطوم شرق النيل حلة كوكو الحالية ثم ثوار ثورة ١٩٢٤ جمعية اللواء الأبيض البطلان ورفاقهما الأجداد البطل على عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ جميعهم كردافة ومن ( عيال تلودي ) يكفي أن الحاجة العمة خديجة جارالنبي حفيدة البطل عبد الفضيل الماظ من مواطني الحي الثالث بتالودي بل سيدة السودان الأولى ١٩٥٦ الحاجة العمة مريم سلامة زوجة الزعيم إسماعيل الأزهري رحمهما الله رحمة واسعة من مواليد وبنات تلودي حي السوق وسط المدينة ومبروك على صلاح الأزهري شقيق الزعيم وإبنته الفاضلة دكتورة جلاء الأزهري على تحرير منزل العمة الحاجةمريم سلامة بيت السودان الكبير المصون وشرف تاريخه الباذخ عاش السودان حرا مستقلا ..
إن إرتباط كردفان والمجتمع الكردفاني عموما بالوطن والدولة وبالمنظومة العسكرية والامنية إرتباط وجودي تاريخي بنيوي موثق شعبيا ورسميا لا يقبل المساومة والمزايدة في أي زمان ومكان وحال وعن ذلك أسألوا ( الهجانة ام ريش ) أسألوا كبار القادة العسكريين الكردافة أسألوا الموسيقات العسكرية للقوات المسلحة السودانية قوة دفاع السودان يقولون مارش فوراوي مارش شلكاوي مارش نوباوي والأخير مركزه التاريخي ( ثلاثة جي أورطة ) بحي الرديف تالودي بحضرة نجوم الموسيقى والتأليف الموسيقي من الموروث الثقافي المحلي الغني بمادة المارشات ، الأجداد الجاك مؤمن وأبكر كمبلا وأحمد كوكو في حضرة القادة على عبد اللطيف وعبد اللطيف الماظ والقائد أحمد مرجان وغيرهم رحمهم الله رحمة واسعة
أول مقاومة شعبية وطنية مسلحة ضد حقبة الإستعمار الثاني الحكم الثنائى الإنجليزي المصري ١٨٩٩ — ١٩٥٦ عقب معركة كرري ديسمبر ١٨٩٨ بإقل من ثمان أعوام أيضا قادها ودفع ثمنها الباهظ من أجل الوطن وكرامة المواطن وعزته هم أجدادنا من الدرجة الأولي بكردفان تلودي في مايو من العام ١٩٠٦ ثورة وطنية معروفة في كتاب تاريخ السودان الحديث وفي أكثر من خمس مراجع بريطانية من ضمنها كتابات آخر سكرتير إداري أنجليزي جميس ربسودن وأكثر من رسالة علمية عن كفاح كردفان وجبال النوبة ضد الحقب الإستعمارية… ثورة معروفة بإنتفاضة أهالي تلودي التي وثقها الموروث الشعبي ( بدوسة أبورفاسة ) وأبو رفاسة وهو لقب للحاكم الإنحليزي الطاغية الذي قضت عليه وأعوانه المقاومة الشعبية المسلحة والذي إعتاد على ركل المواطنيين بقدمه فسمي ابورفاسة وكذلك وثقتها أغاني شعبية كثيرة منها ( الجنزير التقيل) ووثقتها مشانق الأشجار التي شنقت عليها وقطعت رؤوس سبع رجال في يوم واحد ومن أسرة واحدة هم قادة الثورة قطعت رؤوسهم أمام جمع غفير من الأهالي وإلزام أولياء الشهداء بحمل رؤوسهم على أطباق من السعف في محاولة لأرهاب المواطنيين والسودانيين على وجه العموم لمنع تكرار الثورة ولكن هيهات حدث العكس حيث إندلعت ثورات المقاومة الشعبية الوطنية المسلحة بعموم السودان حتى تاريخ الجلاء في ١/ ١ / ١٩٥٦ ….
إندلعت ثورة وإنتفاضة أهالي تلودي ضد الحكم الثنائى حسب الدراسات والمراجع على خلفية أكثر من عشر اسباب وطنية خالصة منها نبذ التعايش مع الإستعمار وصون القيم الدينية والكرامة الإنسانية والأصالة السودانية ومنها كذلك إختلاف الإدارة البريطانية مع شيخ عموم تلودي في تلك الفترة الشيخ علوي النمر ضو المدينة الجد الثالث والشياخة مرتبة أهلية سامية في عهد الإمبراطورية العثمانية بدليل سيادتها اليوم في الجزيرة العربية قبل أن يتحول المسمى والهيكل في العهد البريطاني إلى مشايخ عمد ونظار وغير ذلك من المسميات التاريخية للإدارة الأهلية التي تختلف من منطقة إلى أخرى حتي من قبل الحقب الإستعمارية التراكمية المختلفة…..
دخل أهلنا معركة (أبورفاسة) بعدد ثمانمئة حصان أبرزها الحصان ابوحجول والفرسة ( ضهب مستورة ) و بخمسة خطط شعبية قتالية حسمت ثلاث منها المعركة في يومين وهي خطط خيل شالن خيل وعمتي شيفيني ودواس باركيه بمعنى جلوسا على الركبتين عراكا مع العدو ..
دخل الإنجليز المعركة بأربعمائة حصان متمومة بالبغال دارت المعركة لمدة يومين بسوح تلودي القديم حسمت في النهاية لصالح المقاومة الشعبية الأهلية المسلحة فتحررت كردفان الكبرى عمليا ومعنويا لمدة عام كامل في الفترة من مايو ١٩٠٦ حتى أعاد الإنجليز تلودي قلب كردفان الثوري النابض في مايو من العام ١٩٠٧ بعد أن جمعوا المرتزقة الأوباش والكسابة من كل مكان .. وفور عودة الإستعمار مجددا قامت الإدارة البريطانية بإصدار أحكام قاسية بحق الثوار وقادة الثورة الشعبية المسلحة وهم اجدادنا من الدرجة الأولي قامت كما أشرنا بقطع رؤوسهم أمام حشود من المواطنين وعلى مشانق مفتوح على الأشجار ووضع رؤوسهم على أطباق وتحميلها للأقرباء والشهداء هم الشيخ علوي النمر ضو المدينة وأخيه المغني ( تور ثور تنى ) لقب ..وعبد الله شمشم والد ناظر عموم تلودي الحالي الناظر محمد ابراهيم عبد الله شمشم والمأمون دامرة وشقيقه قيدوم الملقب (بعبود الشطة) وعبود الشطة بمعنى معجنها وعطية صقر ومقدم الرصاص فهذه هي كردفان الكبرى فأي كلام خلاف ذلك حكمه حكم عبارة العفش داخل البص على مسئولية صاحبه وبتالي لا مجال على الإطلاق لإقحام كردفان وأهلها الشرفاء على هكذا مسؤليات وتصرفات إرتكبها التمرد والغزو الأجنبي اللعين ضد الوطن والمواطن والدولة ….
أما عن القضية السودانية التراكمية بما فيها مأساة الحرب الوجودية اللعين التي شنها التمرد والمرتزقة بحق الوطن والمواطن ظلما وبهتانا بإسمها فهي في الحقيقة المجردة قضية معروفة تتحمل مسئوليتها التاريخية والظرفية ست جهات ..
( ١ ) الدولة المركزية وحكوماتها المتعاقبة ..
( ٢ ) التمرد بكافة أشكاله خاصة تمرد العمالة والإرتزاق والإستعانة بإلأجنبي …
( ٣ ) البيئة السياسية الحزبية الأيدلوجية المدمرة والمدمرة
( ٤ ) العقليات السياسية التي تتحدث وتكثر الحديث سرا وعلانية عن مفاهيم سياسية جدلية ومثيرة الجدل دولة ( ٥٦ ) دولة الزغاوة الكبرى دولة البقارة الكبرى قريش ون قريش تو مثلث حمدي دولة كوش الدولة العباسية دولة السودان الجديد دولة البحر والنهر دولة العملاء والوجود الأجنبي وقائمة الخزعبلات السياسية والإجتماعية داخل بيئتنا السياسية التركمية والطارئة تطول ، فلذلك من رأينا إذا لم يتم التعامل بحزم وحسم مع هذه المسائل والألغاز السياسية بوعي تاريخي أخلاقي إجتماعي سياسي وطني قانوني دستوري شفاف من الإستحالة بمكان الحديث عن وطن ودولة وطنية حرة عادلة مستقرة …
( ٥ ) تهاون ومجاملة الشعب السوداني الكريم مجاملته ومجايلته للقوى السياسية بلا إستثناء بعاطفية وغفلة خطيرة خاصة حول قضاياه المصيرية مثل قضية ترابطه الإجتماعي وتلافيه بحزم لنقاط الضعف الخطيرة كالكراهية الفطرية والمكتسبة وخطابهما والجهوية والقبلية والعرقية والعنصرية..
وصون الوطن داخل سياج الوطنية النبيلة وحماية الدولة ومؤسساتها الدستورية والقيم والمبادئ الدينية والإخلاقية والإنسانية هذه خطوط حمراء ينبغي ان لا يجامل بحقها المواطن فضلا عن حراستها وحمايتها بعقل مفتوح وضمير حي وحس وطني متقدم ..
( ٦ ) التدخلات الأجنبية المباشرة وعبر الوكلاء والوكيلات …
ولسع الكلام راقد ومرقد….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى