الأعمدة

حــدود المنطق في ذكرى القائد يوسف كوة : إسماعيل جبريل تيسو

يحتفي الكثير من أبناء جبال النوبة جماعات وفرادى، وزرافات ووحدانا هذه الأيام بالذكرى الثالثة والعشرين لرحيل المعلم، والقائد الملهم “يوسف كوة مكي ” مفجّر ثورة النضال والكفاح العسكري المسلح في منطقة جبال النوبة، ويكتسب الاحتفاء بالقائد يوسف كوة أهمية قصوى في نفوس الكثيرين من أبناء المنطقة لما يمثله من دلالات ومعانٍ سامية تجسد قيمة الرمز والهوية والانتماء، وتشكل في الوقت نفسه عمقاً إنسانياً راسخاً بين ثنايا الرواية التي يحكيها تأريخ النضال الثوري في منطقة جبال النوبة، ويجتهد من أجل غرسها بين جوانح الأجيال القادمة، تحليقاً حول رُبا هذه القيم والمباديء، وتحديقاً نحو شمس الحرية والسلام والعدالة.
لقد كان في يوسف وأخوته من المناضلين الشرفاء آيات ودروس وعظات، قدموا من خلالها منطقة جبال النوبة كقضية مطلبية حفظها لسان التأريخ، رغم محاولات (البعض) ممارسة “الاستهبال” وطمس الحقائق وتغبيش الوعي بزحزحة القضية وتجريدها من عناصرها المنطقية، والدفع بها في مستنقعات نتنة من العنصرية والجهوية، لقد اختار يوسف كوة مكي طريق النضال من أجل نُصرة جبال النوبة، ورفعة إنسانها، وبَذَل في ذلك حياته بكل تفاصيلها الإنسانية، وقيمها الفكرية والسياسية والثقافية والأدبية، فكان مثالاً يحتذى في الإيمان بالقضية، والتضحية في سبيلها بالغالي والنفيس، فتجربة يوسف كوة في جبال النوبة، ليست سوى قبسٍ يستمد نوره من تجربة نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، وپاتريس لومومبا في الكنغو.
تحكي السيرة الذاتية ليوسف كوة مكي عدة ممارسات عنصرية واجهته في مسيرة حياته مذ أن كان تلميذاً، فاجتهد كثيراً في مناهضتها، ليكون ذلك بمثابة غرسٍ مبكر لبذور التمرد في نفس يوسف الأمّارة بالخروج على سلطة الواقع، وعلى كل تُرَّهات تحاول التقليل من القيمة الإنسانية للفرد والجماعة، لذلك لم يكن مُستغرباً أن ينتهج يوسف كوة مساراً مختلفاً في حياته، يغازل من خلاله كلَّ ما من شأنه أن يحقق رغباته في الدفاع عن قيم الحرية، والعدالة، والمساواة، والاجتهاد في إيجاد آليات حيوية وسبل منطقية تخاطب أشواق وآمال وتطلعات المواطنين الذين يرزحون تحت وطأة القهر والتهميش، بعيداً عن متناول يد التنمية والتقدم والازدهار.
قناعتي أن يوسف كوة مكي أفلح في توجيه رقاب العالم إلى منطقة جبال النوبة، وتوصيل رسالة مفادها، أن لسكان هذه المناطق قضية ينبغي التعاطي معها باهتمام ومسؤولية، ومضى يوسف كوة أبعد من قضية تسليط الأضواء على منطقة جبال النوبة، بنجاحه في إعادة الثقة وتعزيزها في الإنسان النوباوي، ( كوكو عِرِف)، فكانت تلك خطوة مهمة دفعت أبناء جبال النوبة إلى التزود بالمعرفة والوعي من أجل الدفاع عن حقوقهم، لقناعة راسخة في النفس أن الحقوق تؤخذ ولا تُعطى،، وثمة كلمة نهمس بها في آذان القيادة الحالية للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان شمال، بأن عودوا إلى جادة الطريق، وأعمِلوا الرشد، وحاولوا قراءة ما بين سطور سِفر النضال الذي تركه لكم يوسف كوة، وتمسكوا به، فلن تضلّوا أبداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى