توالي الإدانات، ودعوات لتجنب الفتنة، هل تعتبر تصريحات عبد الحكم جزءاً من مؤامرة لإشعال شرق البلاد
تقرير: عمر عبد العزيز
بينما ظل الكثير من السودانيين المحاصرين في المناطق الساخنة بفعل الحرب ينظرون إلى شرق البلاد باعتباره الملاذ المحتمل لنزوحهم المقبل داخل السودان، أو ممرهم المحتمل للجوء خارجه، ها هي الفتنة تطل برأسها وتهدد بإشعال هذا الملاذ المتبقي لهم.
غضب عارم وتظاهرات منددة شهدها شرق السودان، رفضا واستكارا لتصريحات اللواء معاش بدر الدين عبد الحكم، المدير السابق لجهاز الأمن بولاية كسلا، التي بثتها الإذاعة السودانية، حيث وصف ثلاثة مسؤولين سودانيين سابقين بأنهم أجانب من دولة اريتريا، مطالبا بسحب الجنسية منهم.
واعرب وزير الإعلام السابق، الصحفي والمحلل السياسي فيصل محمد صالح عن اعتقاده بأن تصريحات عبد الحكم لا يمكن أن تعتبر صدفة أو أمرا غير مقصود، بل هي جزء من مخطط؟
وقال صالح، في مقابلة مع راديو دبنقا، إن اللواء عبد الحكم ليس مجرد “معلق سياسي أو صحفي أو محلل أو كاتب”، مضيفا “لكنه عمل مديرا للأمن في ولاية كسلا، وفي فترة من أشد الفترات توترا في هذه الولاية شهدت نزاعات قبلية”.
وخلص إلى أنه “لا يمكن باي حال من الأحوال التعامل مع هذه التصريحات بالبراءة والسذاجة”، مضيفا “وأنا اعتقد أنها (أي التصريحات) جزء بالفعل من مخطط”.
رسائل في البريد
وكان عضو مجلس السيادة السابق، محمد الفكي سليمان قد ذهب في نفس الاتجاه، معتبرا أن “التجهيز لإحداث اضطرابات في شرق البلاد (بدأ) بحديث مدير سابق لجهاز الأمن عمل بولاية كسلا”.
وأضاف سليمان، في منشور على صفحته بموقع (فيسبوك) أن اللواء عبد الحكم “مدرك تماما لخطورة هذا الحديث وما يترتب عليه، لذلك يعد ما قاله محسوباً بدقة، وهو رسائل في بريد عدة جهات، أولها المجموعة العسكرية الموجودة في شرق السودان إذا ذهبت في طريق الحل السياسي ورفضت استمرار الحرب”.
“مقاضاة المشاغبين”
وعلى الرغم من وصول وفد من الإذاعة السودانية إلى ولاية كسلا وتقديم اعتذار رسمي لما طال قومية البني عامر إلا أن هذا الاعتذار لم يكن كافيا على ما يبدو لإطفاء الغضب والتوتر الذي طال عدد من المكونات الاجتماعية في شرق السودان ولم يقتصر على البني عامر وحدهم.
ومن بين تلك الجهات أمانة شباب الحلنقة، التي اعربت عن شجبها واستنكارها لما وصفته بالهراء الذي بثته الإذاعة السودانية، في إشارة إلى حديث اللواء عبد الحكم.
ووصف شباب الحلنقة هذا الحديث بأنه “فرصة عظيمة نوحد فيها مكوناتنا وان تكون كلمتنا موحدة ضد مثيري الفتن الذين لا يريدون لنا الاستقرار في شرقنا الحبيب”.
كما اكد شباب الحلنقة على وقفتهم الصلبة مع شباب البني عامر والحباب “في أي فعالية أو عمل يهدف لمقاضاة اولئك المشاغبين الذين يريدون هدم وتمزيق نسيجنا الاجتماعي”.
“عقيدة معوجة”
ولم تقتصر البيانات المنددة بمكونات شرق السودان فحسب، بل امتدت لتشمل التيارات والأحزاب السياسية المختلفة، وكان من بينها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم، التي وصفت حديث عبد الحكم بالمثير للفتن “بين المجتمعات المحلية في شرق السودان”.
ووصف بيان تقدم مثل هذا الخطاب بالمسبب للفتنة قبل الحرب “والمُغذي لاستمرار حرب الخامس عشر أبريل وتوسيع دائرتها”.
ودعا البيان “جميع السودانيين والسودانيات في جميع أنحاء البلاد، وفي شرق السودان على وجه الخصوص، لعدم الاستجابة أو الاستماع لخطاب الكراهية والعنصرية والتقسيم الإثني والمناطقية والتصدي لهذا الخطاب عبر مزيدٍ من المبادرات الاجتماعية والأهلية ومبادرات منظمات المجتمع المدني”.
من جانبه، اعتبر الحزب الاتحادي الموحد حديث اللواء عبد الحكم خطابا عنصريا “يكشف بجلاء عن الذهنية والعقيدة الأمنية المُعوَجة التي يتم غرسها في دواخل منسوبي ذلك الجهاز”، في إشارة إلى جهاز الأمن.
كما دعا الحرب جميع السودانيين للتمسك “بوحدتهم الوطنية وشعورهم القومي الموحد في مواجهة مخطط النظام البائد وحُلفائه ومن وُالاهُ الرامي لتفتيت وحدة ترابنا وتقطيع أوصال شعبنا الصامد والصابر رغم ما يكابده من ويلات هذه الحرب اللعينة”.
جهاز المخابرات يرد
وكانت الحملة الغاضبة من تلك التصريحات قد تخطت اللواء عبد الحكم للتنديد بجهاز المخابرات العامة ككل، مما دفع جهاز المخابرات إلى أصدار بيان ظهر الاثنين يتبرأ فيه من تلك التصريحات.
واشتمل البيان على أربع نقاط، كانت أولاها وأهمها أن اللواء عبد الحكم متقاعد عن الخدمة ولم يكلف بأي مهام تتعلق بعمل الجهاز وأن “كل ما يصدر عنه من آراء وأقوال تعبر عن وجهة نظره الشخصية”.
كما شدد البيان على أن جهاز المخابرات “مدرك لتجذر وعراقة قبيلة البني عامر في السودان”، مضيفا أن من وصفهم بضعاف النفوس أرادوا “المتاجرة والمزايدة” بتصريحات اللواء عبد الحكم.
وأكد جهاز المخابرات “نبذه لأي توجه من شأنه أن يكون مثيرا للنعرات العنصرية والجهوية.
“حرب الكل ضد الكل”
لكن حزب المؤتمر السوداني بولاية كسلا، اشار في بيان له إلى أن تصريحات اللواء عبد الحكم تعيد “ذات الممارسات المعهودة السابقة من قبل اجهزة النظام البائد الامنية، التي تستهدف خلق الفتن والنزاعات والصدامات بين المكونات في مختلف اقاليم السودان”.
واعتبر البيان أن مثل تلك التصريحات “هي تجلٍ لاستثمار حالة الاستقطاب الحادة التي خلقتها خطابات الحرب الاعلامية الموجهة من قبل مشعليها من عناصر النظام البائد لجر البلاد الى حالة حرب الكل ضد الكل”.
أما التحاف الوطني في ولاية كسلا فقد اعرب عن عدم اندهاشه للتصريحات، وذلك، حسب بيانهم، لمعرفتهم “بالأدوار التي ظل يقوم بها المذكور في ولاية كسلا ومسؤوليته المباشرة في تأجيج الصراعات من موقعه كمدير لجهاز الأمن والمخابرات العامة”.
جريمة عنصرية”
ومنذ يوم الجمعة الماضي، تاريخ بث المقابلة في الإذاعة السودانية، ظلت تصريحات اللواء عبد الحكم مادة رائجة لرواد مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وبيانات الأحزاب السياسية وتعليقات الكتاب والمحللين السياسيين.
من بين اولئك الكتاب، الأستاذة رشا عوض التي وصفت التصريحات في صفحتها على فيسبوك بالجريمة “العنصرية مكتملة الأركان”.
ودعت الكاتبة لأن يتصدى لهذه التصريحات بحزم “جميع السودانيين الحريصين على الوحدة الوطنية تصديا صارما وبكل ما هو متاح من وسائل سياسية واعلامية وقانونية”.
واعتبرت الأستاذة رشا أنه سيكون من العار “لو تركنا هذه القضية لأهلنا البني عامر وحدهم وكأنها قضية تخصهم ولا تعني بقية الوطن في شيء”.
وكأن السودان لا تكفيه حربه التي تجاوزت العام، بكل ما اسفرت عنه من قبح وقتل وتشريد ودمار، حتى تطل على أهله بوادر فتنة جديدة في شرق البلاد.
لكن الجديد هذه المرة أن المنبر الذي انطلقت منه تلك الكلمات المستهجنة، لم يكن ندوة حزبية ولا مقالا على وسائل التواصل الاجتماعي ولا شيء من هذا القبيل، بل كان الإذاعة السودانية التي تحمل صفة القومية ويفترض أن تتصف بها، مما زاد السخط والغضب والتوتر خلال الايام القليلة الماضية.