سياحة زمنية في عالم الساعات كلمني الساعة كم؟
في الماضي القريب كان من يمتلك دراجة (عجلة) ويلبس ساعة يد يعتبر من الوجهاء ميسوري الحال، وكنا في المدرسة في المرحلة الابتدائية والمتوسطة ننظر بإعجاب الى الزملاء الذين يحضرون الى المدرسة بدراجة وفي يدهم اليسرى ساعة يد ينظرون اليها بين الحين والاخر وهم يستمتعون بنظرات الاعجاب من الاخرين ويجدر ذكره ان معرفة الزمن من الساعة او قراءته كانت تحتاج الى بعض المهارة التي لم تكن تتوفر لدى الجميع وقتها شان كل ما هو جديد في زمنه!! وتزداد الصعوبة عند قراءة الزمن باللغة الإنجليزية اذ كان هذا واحد من أكثر الدروس صعوبة في مادة اللغة الإنجليزية لدى الكثير من الطلاب مثال الساعة 09:30 تكتب Half past nine, وكانت الساعات من حيث التصميم كان منها الرجالى ومنها النسائي ( ستاتى) والساعات الستاتية صغيرة الحجم مقارنة الساعات الرجالية وكانت ترتديها الموظفات و الطالبات وذلك مجاراة للموضة والوجاهة وكان ارتداء الساعات هذا يسبب لهن بعض الازعاج والمضايقات من بعض المعجبين الذين يرون في ارتداء الساعة فرصة طيبة للحديث وفتح موضوع يمكن ان يتطور الى افاق أخرى , فيقومون بسؤال صاحبة الساعة ” من فضلك كم الساعة؟ ” وكانت هنالك اغنية مشهورة للشاعر عبدالرحمن الريح بعنوان ” كلمني الساعة كم” وكان يغنيها عصفور السودان إبراهيم عبدالجليل منذ الثلاثينات من القرن الماضي وتغنى بها الكثير من المطربين بعده مثل حسين شندي وصديق احمد في البداية ومنذ الثلاثينات وقبل اختراع ساعات اليد ظهرت لدى اباؤنا و اجدادنا ساعات الجيب الانيقة الشكل ،وكانت توضع في جيب الجلابية او البنطلون ، وتتدلى منها سلسلتها للدلالة عليها، مما يمنح حاملها هيبة خاصة، والبعض منها لها ألوان ذهبية جذابة أو مطلية بالذهب، أو فضية، وكلها ماركات عالمية، لا وجود للساعات الرخيصة في ذلك الوقت، ولكن مع الأسف، اختفت ساعات الجيب , ومع تطور الزمن ظهرت الساعات اليد وكانت اشهرها هي الساعات السويسرية من ماركة الجوفيال وكانت الأكثر شعبية و شهرة اما ساعات الرومر فهي كانت الأكثر فخامة ولا يرتديها الا الوجهاء من الناس , وهذه الساعات تعمل بطريقة ميكانيكية حيث يقوم الشخص بتعبئة الساعة مرة واحدة في اليوم وكانت هذه التعبئة في الاغلب الساعة 12 ظهرا للعمل بواسطة النابض او الزنبرك , وكان من عيوب هذه الساعات في انها كانت كثيرا ما تتأخر في الزمن عند اهمال او نسيان تعبئتها وكان الناس يضبطون ساعاتهم على دقات ساعة بيغ بن البريطانية المشهورة من خلال إذاعة البى بى سي والتي كانت الإذاعة المفضلة لدى السودانيين من حيث معرفة اخبار العالم . وفى أواسط السبعينات اقتحم اليابانيون سوق الساعات وذلك بتصنيعهم للساعات الاوتوماتيكية “ذاتية التعبئة” حيث تعمل الساعة من خلال حركة اليد فعندما يتحرك الشخص الذي يرتدي الساعة، تدور ساعة الجيب الدوارة لتوفير وظيفة لف تلقائية وكانت أشهر تلك الساعات هي السيكو والسيتيزن والاورينت وقد حظيت الساعة سيكو 5 تحديدا بشهرة كبيرة ونالت شعبية ضخمة على مستوى العالم، وهذه الشعبية الجارفة تذكرنا بتلك التي نالتها السيارة اليابانية الكورولا 78. هذه الساعات كانت لديها مشكلة تتمثل في انها إذا توقفت حركة من يرتديها او قام بخلعها لفترة من الزمن تتباطأ حركتها وتؤخر في الزمن! وبعدها بقليل تم ابتكار ساعات الكوارتز والتي تعمل ببطاريات الليثيوم الفضية اللون والتي تشبه أقراص الدواء وهذه الساعات هي الساعات التي ل نستعملها حتى اليوم وكانت ساعات الكاسيو الرقمية الرخيصة السعر هي أفضل مثال لهذه الساعات. وحتى وقت قريب كانت المتاجر الكبرى في العاصمة تقوم ببيع الساعات الاصلية وفى بحرى نذكر محلات العدني و عزيز على سبيل المثال، اما صيانة وإصلاح الساعات فقد كتنت مهنة ومصدر رزق لعدد كبير من الناس “الساعاتية” وكان عملهم مزدهر بسبب الاعداد الكبيرة من الذين يستخدمون الساعات وكانت اغلب الأعطال تتمثل في التقديم او التأخير للزمن و التوقف عن العمل ! وفى بحري كان هنالك عدد ليس بالقليل من الساعاتية الذين نراهم وهم يرتدون العدسة الصغيرة المكبرة في العين اليمنى غالبا ويتعاملون بأدواتهم الدقيقة والتي تشبه الملاقط في ضبط عقارب الساعة ولا اعرف من اين أتت تسمية عقارب الساعة هذه! واذكر إنني كنت اتعامل مع الساعاتي محمد الهندي الذي كانت لديه ورشة صغيرة قرب سينما الوطنية وفى مرحلة ما قل التعامل مع الساعاتية وذلك بسبب توفر كميات كبيرة من الساعات والتي في غالبها تقليد لماركات مشهورة وبأسعار رخيصة جدا فأصبح اقتناء ساعة جديدة اقل تكلفة من صيانة الساعة القديمة
وفى التسعينات ومع انتشار الجوال بساعته الرقمية المضبوطة التي تغنى الناس عن استخدام ساعة اليد لمعرفة الزمن كالمعتاد فقد قل استخدام الساعات لدرجة كبيرة وأصبحت القلة التي ترتدى الساعات بحكم العادة او دواعي الاناقة والوجاهة وهذا ما أصاب مهنة تجارة وصيانة الساعات في مقتل وأصبحت واحدة من ضحايا تطور التقنية في الحياة المعاصرة. وكأنى اسمع لسان حال القلة المتبقية من الساعاتية يقول ” كانت لنا أيام ” والسلام
والى اللقاء