الأعمدة

نساء عظيمات من بلادي! سارة جادالله حورية النيل التي قهرت المستحيل!! (1)

بكيت عندما احرزت المركز الثاني في سباق كابري نابولي العالمي في إيطاليا وتم رفع علم السودان مع عزف النشيد الوطنى نحن جند الله جند الوطن
” سارة جادالله ”
بقلم : أمير شاهين
إذا اردت مثالا واضحا لتحدى الاعاقة والعجز بقوة الارادة والعزيمة والتصميم فبكل تأكيد سوف تجد في قصة سارة جادالله مرادك!
سارة جادالله هي بطلة دولية وسينمائية رحلتها مع التحدي طويلة، بدأتها، حيث كان عمرها عامين فقط، عندما أصيبت بالشلل في قدمها اليسرى وكان ذلك كفيل بجعلها تمضي حياتها أسيرة للإعاقة والمرض وبدلا من ذلك فقد اتخذت من الإعاقة دافعا للسير الى الامام وتحقيق النجاح، حيث أصبحت اصبحت بطلة دولية حازت على أكثر من خمس وثلاثين ميدالية، ونالت بطولة الجمهورية 19مرة متتالية. نسأل الله ان يمتعها بالصحة والعافية وراحة البال وطول العمر.
نستطيع ان نقول بان سارة جادالله هي مثال اخر للمرأة السودانية والتي كانت على مر الزمان ومختلف العصور والدهور مصدر فخر وتقدير و اعتزاز من قبل الامة السودانية لبطولاتها و تضحياتها ودورها الكبير فى بناء وطنها و امتها منذ أيام أماني ريناس ملكة مملكة كوش السودانية والتي حكمت فى الفترة 40 الى 10 قبل الميلاد و اول من حملت لقب كنداكة ويسجل لها التاريخ بانها قد قادت جيشها لمحاربة الرومان الذين كانوا اسياد العالم فى ذلك الوقت و القوة العسكرية الاولى التي يخشاها الجميع فانتصرت عليهم و طردتهم من اسوان والتي كانت تابعة لها وعادت منتصرة الى بلادها وهى تحمل الغنائم التي غنمتها من الجيش الروماني المهزوم . وفى العام 1820م تصدت السودانية مهيرة بنت عبود ابنة ملك الشايقية لقتال الغزاة الاتراك المصريين وتحريض الجيش على القتال وعدم الاستسلام مما أدى الى اسرها من قبل الجيش الغازى , وفى العصر الحديث برزت العديد من السودانيات فى مختلف المجالات مثل ملكة الدار محمد اول روائية سودانية وخالدة زاهر اول طبيبة و اسماء حمزة والتى تعد من أوائل النساء اللائي عملن في مجال العزف والتلحين على مستوى أفريقيا والوطن العربي، حواء الطقطاقة المغنية الشعبية مشهورة التي اشتهرت بالأغاني الحماسية الوطنية في مقاومة الاستعمار الإنجليزي حيث تعرضت للاعتقال وعمرها 16 سنة وقد كانت أول من تغنى للاستقلال، فاطمة احمد ابراهيم التي اشتهرت بمقارعة ومعارضة الانظمة الشمولية وفى 1991 تم اختيارها رئيسة للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، وكانت أول مرة تنتخب فيه امرأة عربية إفريقية ومسلمة ومن العالم الثالث. وهنالك الكثير من النساء المشهورات والتي يضيق المجال بذكرهن جميعا ولكن نحاول فى المرات القادمة التحدث عن كل واحدة على حدة بأذن الله
ومن بين هؤلاء النساء يبرز اسم السباحة العالمية والمخرجة السينمائية حورية النيل كما كانوا يطلقون عليها سارة جادالله. وقصة حياة سارة جادالله جديرة بالاحترام والتقدير واخذ العبر والدروس منها، فهي مثال طيب عندما يتحدى الانسان العجز والاعاقة بإرادة وعزيمة وينتصر عليهم ويحقق الانجاز تلو الانجاز ويدخل التاريخ من اوسع ابوابه.
ولدت سارة جادالله جبارة الفكي ابراهيم فى حي حلة حمد بالخرطوم بحري فى العام 1956م، وحي حلة حمد لمن لا يعرفونه هو واحد من أعرق الاحياء ليس فى مدينة بحري وحدها وانما على مستوى كل السودان، فهذا الحي العتيق يعود تاريخ تأسيسه الى العام 1692م عندما أنتقل اليه الشيخ حمد ود أم مريوم من جزيرة توتي. وحلة حمد معروف عنها انها اهدت للسودان الكثير من المشاهير الذين خلدوا اسماؤهم فى جميع المجالات السياسية والاجتماعية والرياضية والثقافية وفى هذا المنحى فان الحديث يطول ويحتاج الى مساحة أكبر.
اصيبت سارة بشلل الاطفال في ساقها اليسرى عندما كانت في عمر السنتين! وها الامر انعكس على كل حياتها فيما بعد، وفى هذا الامر تقول سارة من أصعب الأمور بالنسبة للطفل، هو أن يكون مختلفًا عن الأطفال الآخرين، خاصة في بلد ينظر الناس فيه إلى الإعاقة على أنها وصمة عار. كنت أتحمل استهزاء أقراني في المدرسة بسبب طريقتي في المشي والجري. وكانت هناك ألعاب عديدة لم يسمح لي أقراني بالمشاركة فيها، مثل الألعاب الجماعية كلعبة “عسكر وحرامية” أو “الحجلة” أو “نطّ الحبل”. كنت أعود إلى المنزل حزينة مكسورة الخاطر. لكن والدي كان دائمًا يشجعني ويقول لي إنني فتاة جميلة جدًا وقادرة على فعل ما أريد، إلى أن صدَّقتُ ذلك وبدأت أتصرف على هذا الأساس. وهكذا، تغيرت حياتي، فزادت ثقتي بنفسي، وبدأت أنظر لذاتي ولقدراتي بشكل أكثر إيجابية لأن والدي قال لي: يمكنكِ فعل أي شيء، إن كان لديك هدف وترغبين في تحقيقه. وهنا تتجلى عظمة الاب جادالله جبارة المخرج المشهور وابو السينما السودانية فقد كان يطيب خاطرها ويشجعها بالقول بانها سوف تصبح بطلة يتحدث الجميع عنها ولهذا فقد طاف بها على جميع الاطباء وطرق كل الابواب التي يمكن ان يجد فيها العلاج والشفاء لبنته الصغيرة، وفى مصر نصحه الاطباء بان تمارس ابنته رياضة السباحة والتي قد تؤدى الى تقوية عضلات الساق وتخفف من اعاقة الشلل. ومن هنا بدت قصة سارة جادالله مع رياضة السباحة والتي بفضلها تحدت الاعاقة والعجز واصبحت بطلة كما كان يقول لها والدها وحققت الكثير من الانجازات التي عجز عن تحقيقها الاصحاء بدنيا! ومن غرائب الصدف بان حي حلة حمد العريق الذي ولدت وترعرعت فيه سارة قد شهد العديد من مثل هذه الامثلة الملهمة لأشخاص تحدوا المرض والعجز والاعاقة، فمثلا الفنانة الراحلة أماني مراد والتي ولدت ايضا بهذه الاعاقة لم تركن او تستسلم فصدحت بأجمل الاغنيات بصوتها الملائكي العذب:
بلقى الدنيا فرحة والايام سعيدة، بتحقق أماني، مهما تكون بعيدة بلقى الدنيا فرحة.. لما أجيك تائه، يكفي رضاك لمحة يا أغلى الحبايب، اما اغنيتها ” مبروك النجاح” فكانت تبث دائما عند اعلان نتيجة الشهادة السودانية كتهنئة جميلة من انسانة رائعة، وأماني مراد لم تثنها إعاقتها الجسدية فكانت صاحبة طاقة جبارة فمع الغناء كان لديها نشاط كبير ومؤثر فى خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال اسهامها في الجمعية السودانية لرعاية وتأهيل المُعاقين. وقبلهم وفى حلة حمد ايضا ومن سرير المرض فى المستشفى لم يستسلم شاعر الطبيعة الوصاف ” مصطفى بطران” لمرض الصدر والذى كان ينهش فى جسده النحيل وكان سببا في موته في عمر ال36 عام فقط! , كان مصطفى باسما هازئا بالمرض والذى لم يكن له علاج فى ذلك الزمن فانشد اجمل اشعاره يا دمعة الشوق كبى والتي يقول في نهايتها : شوقي مهما ازداد برضي شايفه قليل .
ومن المؤكد بان وقوف الأستاذ جادالله جبارة خلف ابنته كان له أكبر الأثر في نجاح وتفوق سارة ومهد لها الطريق الذي من خلاله تحدت الاعاقة والعجز وكتبت اسمها بأحرف من نور في تاريخ الانجاز والاعجاز وصارت ” بطلة” كما كان يقول لها والدها وهي صغيرة . نسأل الله له الرحمة والمغفرة والقبول الحسن.
ونواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى