الأعمدة

ناصر، نميري، قذافي دور الاسماء في تحديد الفترات الزمنية بقلم: أمير شاهين

بالنسبة للمشتغلين مجال التوثيق والتاريخ , قد تلعب اسماء الناس دلالة هامة على فترة زمنية معينة , فإلى جانب المرجعية الدينية و العقائدية في تسمية المواليد, فانه ايضا من المعروف و المألوف بأن ان يقوم الاباء بتسمية ابنائهم بأسماء الزعماء و القادة المحبوبين الذين كان لهم الاثر الكبير فى شتى مناحي الحياة فى فترة زمنية محددة , وذلك تيمنا بتلك الشخصيات و الرجاء و التمني ان يصير المولود بمثل من تمت تسميته عليه او ما نقول عنه ان يصير الولود اسم على مسمى ومثال على ما اوردنا ان مطرب السودان التاريخين الاول كرومة 1905-1947م رائد الأغنية السودانية المعاصرة واحد الذين ساهموا في نشأتها وتطويرها في العصر الحديث .
ان اسمه هو عبد الكريم عبد الله مختار ولكن والدته أطلقت عليه اسم كرومة وذلك لما رأته من استقبال حاشد ومهيب للورد كرومر المندوب السامي البريطاني عند زيارته للسودان فى العام 1922 وارادت والدته بذلك ان يحقق ابنها مجدا مثل اللورد كرومر ولكنها لم تعرف بان ابنها والذي حمل لقب ” كرومة” الذي أطلقته عليه سيبنى مجدا كبيرا فى السودان ولكن فى مجال غير السياسة والادارة. وكذلك الحال فان اسم “فاروق” والذي لقب به امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، تلاحظ انتشار هذا الاسم فى فترة زمنية محددة ويعود ذلك تيمنا بالملك فاروق والذي كان من ألقابه ” ملك مصر والسودان”. والطريف في الامر بان الملك فاروق نفسه كان قد اطيح به في انقلاب الضباط الاحرار بقيادة محمد نجيب في العام 1952 حيث اصبح محمد نجيب اول رئيس جمهورية مصري , وقد كان محمد نجيب يحب السودان و السودانيين والذين كانوا يبادلونه المحبة بسبب انه من مواليد مولود في السودان لضابط مصري ووالدته مصرية الجنسية سودانية المنشأ وفى طفولتي كنت أرى صورته معلقة في صالون جارنا الباشمهندس محمد عمر في الختمية غرب وبفضول الأطفال كنت اسال أقراني من الأطفال عن من هو في هذه الصورة ويبدو انهم أيضا لم تكن لديهم المعرفة الكافية فكانوا يقولون لي بانه ضابط مصري قريب لوالدهم ! ولهذا السبب فنجد عدد لابأس به من الأشخاص الذين يحملون اسم ” محمد نجيب” او “نجيب” في السودان تيمنا به , ومحمد نجيب نفسه لم يسلم من الانقلابات فقد تمت ازاحته من السلطة بانقلاب ابيض على يد نائبه جمال عبدالناصر والذى اصبح هو الاخر فيما بعد ايقونة الجماهير العربية كما سوف نرى لاحقا .
فى فترة نهاية الستينات من القرن الماضي كان العالم العربي يشهد تغيرات كبيرة على الصعيد السياسي مثل الحرب مع اسرائيل والدفاع عن فلسطين و ازدياد قوة حركات التحرر الوطني من الاستعمار و التوجه نحو قيم بناء المجتمعات على اسس العدالة و الحرية والمساواة , ففي تلك الفترة برز الزعيم المصري جمال عبدالناصر و الزعيم السوداني جعفر نميري عقب وصوله الى السلطة عبر انقلاب فى مايو1969 و بعده الزعيم الليبي معمر القذافي والذى وصل هو ايضا الى السلطة عبر انقلاب عسكري فى سبتمبر 1969 , وكان هؤلاء الزعماء الثلاثة يمثلون ايقونات وقادة عظام لدى شعوب الامة العربية التي كانت تحلم بالوحدة العربية الشاملة حيث تزال كل الحدود السياسية بين الدول العربية ,فى عالم اليوم قد يرى البعض ان هؤلاء القادة لا يستحقون الاحترام و التقدير لانهم وصلوا الى السلطة عبر انقلابات عسكرية على سلطة مدنية ! وهذه النظرة المعاصرة للتاريخ يرفضها تماما علماء التاريخ ويقولون انه يجب علينا عدم تحليل الوقائع التاريخية بمقاييس اليوم او فى سياق الحاضر، لان مقاييس اليوم مثل الحكم المدني وحرية التعبير وحقوق الانسان ودولة المؤسسات لم تكن بذات الاهمية التي نشهدها اليوم. ففي تلك الفترة كانت المعايير وادوات التقييم مختلفة فالزعيم هو القائد الملهم والمحبوب وهو مثل الاب تماما يعرف اين توجد مصلحة أبنائه.
وبعد اللقاء التاريخين للزعماء الثلاثة ( ناصر , نميري , القذافي ) فى طرابلس فى 27ديسمبر1969 ازدادت شعبيتهم بصورة مبالغة , حيث انتشرت صورهم فى جميع الارجاء وتم تأليف الاناشيد و الأغاني التي تمجدهم و تسبح بحمدهم وكان من المألوف عندنا فى السودان ان تجد حتى جدران المنازل كتبت فيها اسماء الزعماء الثلاثة و الشعارات التي كانوا يرددونها مثل ” ناصر نميري قذافي حرية اشتراكية وحدة” وكان من الطبيعي فى تلك الفترة ان يقوم الكثير من الاباء بتسمية ابنائهم الذكور بأسماء ناصر و نميري وقذافي , واذكر ان صديقا لي اسمه ناصر كان له اشقاء باسم نميري و قذافي وبذلك نستطيع ان نحدد بصورة تقريبية تاريخ مواليد اشخاص يحملون اسماء بعينها فمثلا اسم النميري او القذافي قد يدل على ان المسمى قد تمت ولادته فى العام 1969 او بعده بقليل و يندر جدا وجود شخص بهذه الاسماء فى السودان ما قبل هذا التاريخ وقيس على ذلك , وكما هو ملاحظ بان اغلب الاشخاص الذين يحملون اسم : الأزهري” هم فى الغالب مواليد 1965 وما بعده و ذلك بسبب صعود نجم الزعيم السوداني اسماعيل الأزهري رائد ورافع علم استقلال السودان . وهنالك عدد من الاشخاص يحملون اسم بومدين الرئيس الجزائري الاسبق الذي قاد بلاده الى الاستقلال من الاستعمار الفرنسي وكان أحد رموز حركة عدم الانحياز وبجانب التسميات فهنالك الالقاب التي تطلق على بعض الاشخاص مثل قاقرين اول رائد فضاء، تيتو الزعيم اليوغسلافي، وشارون الزعيم الإسرائيلي المجرم ويطلق هذا اللقب بالإضافة لعدد من قادة اسرائيل على الاشخاص السيئين والمكروهين المشهورين بالتنمر والاعتداء على الناس! ومن الملاحظ بان إطلاق الاسماء هذه يكون بمثابة ما يشبه الموضة وقد لا تستمر عملية التسمية الى فترة طويلة من الزمن خصوصا اسماء القادة السياسيين قد يعود ذلك لخفوت بريق الشهرة او المجد عن الشخصية او اكتشاف الكثير من العيوب او المأخذ عليها وهذا الامر يحدث كثيرا لدى القادة السياسيين فانه فى اعين الناس يكون بطل فى فترة ما وخائن وعميل فى فترة اخرى والامثلة كثيرة على ذلك.
والى اللقاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى