الأعمدة

الاستعلاء والاستهزاء في الكرة والسياسة !

 

يستحق حسين لبيب رئيس نادي الزمالك الهجمة الشرسة التي يشنها عليه مشجعو القلعة البيضاء، بعد أن اتخذ موقفا جسورا تحت راية العدالة والإصلاح ثم باع الاثنين دفعة واحدة تحت مظلة “الصالح العام” في سوق النخاسة الكروية .. سوق لا قواعد له إلا الاستعلاء والاستهزاء.
استعلاء النخبة الرياضية “المنتخبة” على اللوائح والقوانين والنظام العام ، يتشابه مع استعلاء النخبة السياسية الحاكمة في الشكل والمضمون.
الطرف الأول يمارس الاستعلاء بقوة الجماهير وضغط الشعبية الطاغية للقطبين الكرويين الكبيرين ، ويزيح القواعد الضابطة والحاكمة لإدارة المسابقات الكروية بعيدا ، ليفسح المجال أمام ابتزاز السلطة “المرتعشة” من غضبة الجماهير التي تنتظر “شكة دبوس” لتنفجر ، أمام الأوضاع المعيشية الظالمة والمرهقة ، والطرف الثاني (النخبة الحاكمة) يمارس الاستعلاء على الجماهير تحت راية أنها الأكثر دراية بالمصلحة الوطنية العليا .
الاستعلاء على القانون بالترهيب والتضليل من شبح غضب الجماهير، أولد الاستهزاء بالقانون ذاته ..نبدأ بكرة القدم قبل أن ننهي بالسياسة :
ـ الاستهزاء باللوائح والقواعد والنظام ، جزء أصيل من تاريخ كرة القدم في مصر،ولا يهم من صاحب الضربة الأولى ، الأهلى أم الزمالك ،فالكبيرين لهما تاريخ حافل في الإطاحة بالقانون واللوائح ..النادي الأهلى استهزأ بلوائح المسابقة نحو 19 مرة ، بدايتها العام 1930،عندما أعلن الانسحاب أمام النادي المصري في بورسعيد بنهائي كأس مصر وكانت النتيجة تعادل الفريقان 1/1 ، ورفض لعب الوقت الإضافي بسبب حلول موعد مغادرة القطار المتجه إلى القاهرة،واعتبر النادي المصري نفسه فائزا نتيجة إنسحاب المنافس، واحتفل أهالي بورسعيد بالتتويج بنهائي الكأس.. إلا أن اتحاد الكرة قرر إعادة المباراة ، والأغرب انه قرر إعادتها في القاهرة على ملعب الترسانة وليس بورسعيد.
ـ آخر محطات الاستهزاء باللوائح كانت االعام 2019 عندما قرر الأهلي عدم خوض مباراة الجونة التي كان مقررا لها أن تقام يوم الأربعاء 23 اكتوبر،إلا بعد لعب مباراة القمة أمام الزمالك ضمن الجولة الرابعة، التي كان من المفترض أن تقام يوم السبت 19 أكتوبر 2019 قبل تأجيلها بناءً على طلب الأمن، ليذهب وزير الرياضة إلى محمود الخطيب في منزله لاسترضاءه.(راجع تاريخ انسحابات الأهلي/ موقع وطني / ماجد سمير/25 يوليو 2024).
ـ الزمالك هو الآخر تاريخه ملىء بالإنسحابات أمام الأهلى ضاربا بعرض الحائط اللوائح والقواعد الحاكمة للمسابقات ..كان الانسحاب الأول للزمالك أمام الأهلي في موسم 1947-1948 (أول موسم للدوري العام) ، بسبب موعد اللقاء نفسه، الذي اعترض عليه الزمالك وذلك في بطولة دوري القاهرة،وكانت المباراة بين الأهلي والزمالك وقتها تحصيل حاصل، ورفض المسؤولون حينها لعب المباراة .
ـ الانسحاب الثاني للزمالك في الدوري المصري الممتاز أمام الأهلي كان في موسم 1995/1996، عندما التقى القطبان في الدور الثاني من الدوري، بعد التساوي في عدد النقاط ..في تلك المواجهة تقدم الأهلي بهدفين دون مقابل، حتى الدقيقة 85 من زمن المباراة، ولكن رفض الزمالك استكمال المباراة وأعلن انسحابه بسبب احتساب الهدف الثاني للأهلي وعدم إلغائه بداعي التسلل..
ـ ثم الإنسحاب الثالث موسم 98ـ1999بسبب قيام حكم المباراة (أجنبي) بطرد أحد لاعبي الزمالك ، ثم إنسحاب رابع موسم 2019ـ2020 اعتراضا على موعد اللقاء، ثم إنسحاب خامس أمام الأهلي في مباراة السوبر بسبب أزمة النادي وقتها (مرتضى) مع اتحاد الكرة ، وأخيرا هذا الموسم بسبب ما وصفه النادي بغياب مبدأ تكافؤ الفرص.
*****
الاستعلاء ثم الاستهزاء ..هكذا يمارس القطبين الكبيرين لعبة كرة القدم .. الأهلي فوق الجميع شعار يجسد حالة استعلاء القلعة الحمراء ..استعلاء أولد الاستهزاء بالقيم والمبادىء، أهم وأغلى ما في النادي الأهلي، والوقائع لا تعد ولا تحصى ،لعل آخرها التعاقد مع لاعب من الزمالك سب وأهان رموز النادي على مرأي ومسمع من إدارة نادي”القرن” ، ليكتشف الرأي العام أن “المباديء” أرجوحة تمتطيها الإدارة وقتما تشاء من أجل كسب رضاء مشجعي الدرجة الثالثة.
والزمالك، يدعي أنه نادي الكرامة والوطنية ، وإدارته االسابقة والحالية بعثروا الكرامة والوطنية على الأرض .. رئيس النادي يعلن الاعتذار عن مواجهة الأهلي بحجة غياب المنافسة العادلة، ويحتشد وراء جماهير النادي الغفيرة تأييدا لقرار، يراه الجمهور خطوة كبرى لاستعادة الكرامة المفقودة بسبب ما يعتقدوه من تغول رابطة الأندية واتحاد الكرة عليه ،مقابل الانبطاح أمام غريمهم التقليدي النادي الأهلي، وفي الوقت نفسه روجت إدارة الزمالك بقيادة حسين لبيب فكرة العصيان على الفساد الكروي من أجل “الوطنية” والصالح العام ، إلا أنها سرعان ما طعنت “الوطنية” بخنجر المصالح الخاصة للنادي التي قد تكبده خسائر عديدة ، وقررت استكمال المشاركة في الدوري على أنغام وعود من المسئولين ستعيد الهيبة والكرامة للنادي.
نأتي للسياسة :
السلطة تمارس الاستعلاء على المواطنين، وتمارس عليهم الاستهزاء في الوقت ذاته .. فمن جهة تفرض على الناس ضوابط صارمة في الاستثمار وتقديم الخدمات العامة ، وتترك الباب مفتوحا أمام المسئولين والمتنفذين وأصحاب الجاه والمال ليفعلوا ما شاء لهم ،فنتج عن سياسة الاستعلاء ،الاستهزاء بعقولنا في مشكلة الكهرباء (كمثال) وتستند إلى مبررات تتحمل وحدها مسئولية وجودها ،ولا يصدقها الناس ..
الحكومة تترك المواطنين فرائس لعشوائية تسعير السلع ، والبضائع المغشوشة (قطع غيار السيارات كمثال) وفي الوقت نفسه تمارس الاستعلاء عليهم على طريقة “اللي مش عاجبه يشرب من البحر” ..ومياه البحر شديدة الملوحة لن تعوض نقص مياة النيل بعد إملاءات أثيوبيا المتوالية لسد نهضة ،فضلا عن خطوط حمراء بألوان “اللخبطة”.
*****

بالإستعلاء والإستهزاء ، تم تقسيم المجتمع المصري ، إلى أهلاوي وزملكاوي ،مثلما قسمتنا السياسة إلى وطني وخائن ،وايدلوجيا العنف والتطرف إلى كافر ومؤمن ، وسياسات الحكومة إلى أصحاب سلطة ونفوذ ، و”غلابة” لا ظهر أو سند لهم سوى المولى عز وجل
باختصار نحن في مجتمع القسمة ، وليته إنقسام عادل ، إنما بالجبر والإذعان والاستسلام لمصير أطفأت أنواره الكهرباء، ويرفع الراية البيضاء أمام الاستعلاء على القانون والاستهزاء بالشعب.. الاستعلاء والاستهزاء أفسا علنينا الاستمتاع بكرة القدم ، بعد أن حولاها إلى “باب النكد” وليس باب الترفيه ..حتى ما تبقى لنا من ترفيه مجاني، صادره منا الأهلي والزمالك ومهووسي التشجيع الكروي بالمكايدة والسخرية والاستهزاء بمشاعر الجماهير
خاتمة :
الاستعلاء على القانون والاستهزاء به ، سمة من سمات التكوين التاريخي لكرة القدم في مصر ، وجينوم وراثي يرسم خريطة الشخصية السياسية في مصر.
أحمد عادل هاشم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى