ظروف متشابهة وقواسم مشتركة.. السودان وروسيا.. تحالفات وشيكة..
زيارات متبادلة للمسؤولين، وتطابق في وجهات النظر بين البرهان وبوتين..
.قلق وانزعاج أمريكي من التقارب الماشي بين موسكو وبورتسودان..
السفير علي يوسف: الحصار يجعل السودان يتجه شرقاً إلى روسيا..
السفير نادر فتح العليم: علينا الاستفادة من مرحلة مخاض تشكيل النظام العالمي الجديد..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو.
يبدو أن العلاقات السودانية الروسية تمضي بسرعة البرق للوصول إلى غاياتها ببناء تعاون استراتيجي عسكري اقتصادي يحقق المصالح المشتركة بين شعبي البلدين، فما بين أبريل ٢٠٢٤م وأغسطس ٢٠٢٤م، جرت الكثير من مياه التقارب تحت جسر العلاقات ما بين موسكو وبورتسودان من خلال حراك متسارع بين الجانبين، انتجته زيارات متبادلة لوفود رفيعة من المسؤولين في البلدين، كان آخرها خلال الساعات الماضية التي استقبلت فيها مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية للحكومة السودانية وفداً روسياً رفيعاً يضم “قائد جهاز الأمن الروسي، وممثلين لوزارة الخارجية الروسية والمستشار الشخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين”، ومن المتوقع أن تبحث هذه الزيارة تبادل الدعم السياسي والأمني والتعاون الاقتصادي وكيفية الدفع بالتعاون المشترك في مختلف المجالات.
عقار في سان بطرسبرج:
وقبيل الزيارة الحالية للوفد الروسي، كان نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار، قد زار روسيا في شهر يونيو ٢٠٢٤م على رأس وفد وزاري رفيع، وصل إلى مدينة سان بطرسبرج للمشاركة في المنتدى الاقتصادي الدولي، وبحث عقار مع وزير الخارجية الروسي سيرجيو لافروف سبل إعادة الروح لاتفاقيات التعاون المبرمة بين البلدين، وتفعيل عمل اللجان المشتركة بين الجانبين، وخاصة لجنة التشاور السياسي، واللجنة الوزارية المشتركة، واللجنة العسكرية، لوضع الخطط والبرامج، ورسم خارطة طريق واضحة المعالم، لتطوير العمل وصولاً إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية.
بوغدانوف في بورتسودان:
وفي أبريل الماضي ٢٠٢٤م، زار وفدٌ روسي رفيع المستوى مدينة بورتسودان برئاسة نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، حيث أجرى الوفد وعلى مدار يومين مباحثات مع المسؤولين في الحكومة السودانية تتعلق بسبل تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وكيفية استمرار روسيا في دعم السودان في المنابر الدولية، حيث أعلن الوزير الروسي دعم بلاده لسيادة السودان ووحدته والشرعية القائمة فيه، رافضاً التدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه، وأبدى الجانبان حرصهما على تعزيز وترقية وتطوير العلاقات الثنائية في المجالات، سيما الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية.
تحديات متشابهة:
الخبير في العلاقات الدولية، سعادة السفير الدكتور علي يوسف الشريف، سفير السودان الأسبق لدى الصين والاتحاد الأوربي، يرى تحديات متشابهة تجابه السودان وروسيا فيما يتعلق بمحاولات التدخل الخارجي في شؤونهما الخاصة وعرقلة جهودهما لتعزيز الاستقرار وإرساء دعائم التنمية والإعمار، وأبان السفير علي يوسف في حديثه للكرامة أن روسيا داخلة في أتون حرب ضروس مع دولة مجاورة، مدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ومن دول غربية ذات ارتباط باتفاقية دفاع مع أمريكا والاتحاد الأوربي، وقد انعكست هذه الحرب على صعوبات تواجه الاقتصاد الروسي، وفي المقابل فإن السودان يعاني من حرب داخلية أطرافها الجيش وميليشيا الدعم السريع المتمردة التي قال إنها مدعومة عسكرياً ولوجستياً من عدة دول، مما يجعل السودان في مواجهة مجموعات تحاول إقعاده والنيل من ثرواته ومقدراته، وأكد السفير دكتور علي يوسف أن التشابه في التحديات العسكرية والاقتصادية بين السودان وروسيا من شأنه أن يخلق أرضية سياسية قوية لإقامة تحالف متين بين البلدين.
تحرك منطقي:
ويقول سعادة السفير الدكتور علي يوسف الشريف سفير السودان الأسبق لدى الصين والاتحاد الأوربي، إن الحصار المفروض على السودان بلي ذراعه، ومنعه من التسليح، أو بإغلاق المعابر أمام البواخر المحملة بالذخائر التي يشتريها السودان من الخارج، يجعل من اتجاه السودان للتحالف والدخول في علاقات استراتيجية مع دول الشرق هو تحرك طبيعي، منوهاً إلى أن هذه الأفكار كانت مطروحة من قبل عملية التغيير التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير، حيث كان التوجه بمنج روسيا تسهيلات في البحر الأحمر لتكون خطوة مهمة على طريق تعاون استراتيجي بين البلدين، وأشار دكتور علي يوسف إلى ذلك ليس بجديد فمعظم القوة الدولية الكبرى تمتلك قواعد عسكرية خارج بلادها، منوهاً إلى جيبوتي ورغم أنها دولة صغيرة ولكنها تحتضن ست قواعد عسكرية لدول أجنبية هي أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والصين، واليابان، وختم السفير علي يوسف الشريف حديثه للكرامة متناولاً العوامل التي قال إنها تيسِّر من مشروع التعاون السوداني مع روسيا، من بينها أن اغلب تسليح الجيش السوداني روسي، وخاصة الطيران، وأرجع ذلك إلى أن معظم الأنظمة التي حكمت السودان كانت على خلاف مع أمريكا والغرب لذلك توجهت شرقاً في التعامل مع روسيا والصين، ويؤكد السفير علي يوسف أن العلاقات المتميزة بين السودان وعدد من حلفاء روسيا كالصين وإيران يعزز من فرص نجاح التعاون الاستراتيجي بين السودان وروسيا، وإقامة شراكات اقتصادية في مجال الذهب والنفط
واليورانيوم، هذا فضلاً عن دور مرتقب لروسيا للمشاركة في إعادة بناء ما دمرته الحرب في السودان.
موقع السودان:
أهمية الموقع الجيوسياسي للسودان بوصفه مدخلاً رئيسياً وأساسياً للقارة الأفريقية، يسيل لعاب الكثير من دول العالم الكبرى، هكذا ابتدر السفير نادر فتح العليم رئيس مكتب الاتحاد الأفريقي بجامعة الدول العربية حديثه للكرامة، منوهاً في هذا الصدد إلى دخول الصين القارة الأفريقية عبر استثماراتها النفطية في السودان، وحول الاهتمام الروسي بالسودان قال سعادة السفير نادر فتح العليم إن أمن البحر الأحمر، يمثل حلماً بعيد المنال بالنسبة لروسيا التي تتطلع لأن يكون لها موضع قدم منطقة البحر الأحمر ولو عبر نقطة صغيرة لتقديم الخدمات اللوجستية لتموين السفن، ومن ثم تتحول إلى قاعدة عسكرية، مبيناً أن موسكو تسعى خلال مرحلة المخاض التي سيتشكل بموجبها نظام دولي جديد، إلى الاستفادة من مخزون الذهب والطاقة الموجودة في روسيا التي اكتسبتها من خلال حربها مع أوكرانيا، لتقوم ببيعها بالعملة الروسية ( الروبل) من أجل كسر هيمنة الدولار الأمريكي في المنطقة، فارضة بذلك نظاماً اقتصادياً جديداً في المنطقة تكون لروسيا فيه اليد الطولى.
برامج ومصالح:
ونبه رئيس مكتب الاتحاد الأفريقي بالقاهرة، السفير نادر فتح العليم إلى أن السودان الجديد في مرحلة ما بعد الحرب، ينبغي أن يقوم على قواعد مؤسساتية، بحيث تكون حكومته مبنية على برامج، وليست حكومة عملاء تلبِّي أشواق الخارج وتشتغل من أجل أطماع شخصية، مشدداً على ضرورة أن يتعامل السودان وفقاً لمصالحه، بحيث يحدد ما الذي يريده من روسيا، في مجال التنمية، أو في تنفيذ جزء من الخارطة الاستثمارية، وأبان أن المحك في الحكومة القادمة هو قوميتها، وتأهيلها، ووضع الخارطة الاستثمارية الحقيقية، بحيث تكون أولوياتها هي بناء الدولة بالشكل الصحيح، ووضع الإنسان السوداني كمحور أساسي في كل التوجهات الداخلية والخارجية، منوهاً على أن الدعم الذي تقدمه أيادي الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوربي للدول الأفريقية يكون بعيداً عن اتجاهات التنمية، لتظل هذه الدول متخلفة من أجل الاستفادة من مواردها الخام، وقال إن الدول الكبرى مهتمة فقد بدعم قضايا السلم والأمن، وبناء السلام، وحقوق الإنسان، وكل القضايا التي تزعزع وجود الدول وتجعلها في حالة دائمة من الصراعات، ليخلقوا لأنفسهم في هذه الدول حواضن من العملاء يؤججون نيران الاحتجاج لإيقاف تقدم الدول التي تنفذ برامجها بشكل جيد، وطرح رئيس مكتب الاتحاد الأفريقي بجامعة الدول العربية السفير نادر فتح العليم في ختام حديثه للكرامة عدة أسئلة عن مدى استعداد السودان للتعامل مع روسيا أو أمريكا أو الاتحاد الأوربي بما لديه، وبما يفيده؟ أم أن السودان سيمضي في تحقيق مصالح الآخرين على حساب موارده؟، وعلى حساب ثرواته؟، وعلى حساب إنسانه؟ مشدداً على ضرورة أن تضع الحكومة القادمة أولوياتها وتستفيد من الوضع الدولي والجيوسياسي لاستقطاب الآخرين لما تريده هي وليس لما يريده الآخرون.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ يبدو أن التقارب الماشي ما بين السودان وروسيا سيقضُّ مضاجع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، الأمر الذي ينبغي أن يستثمره السودان لصالح مستقبله الأمني والاقتصادي، فالدروس التي أفرزتها الحرب ينبغي أن تجعل من سودان المستقبل دولةً تتحرك وفق ما يمليه عليها ضمير المصالح المشتركة التي تتحكم في فرض واقع التقارب أو التباعد بينه وبين دول المحيط الإقليمي والدولي، وما من شدّةٍ إلا سيأتي لها من بعد شدِّتها رخاء.