الأعمدة

نفّذ الجيش خطته المحكمة وبتكتيك جديد،،، ملحمة الخميس.. سـر العبـور..

السرية والمفاجأة والصدمة، أهم عوامل نجاح العملية العسكرية..
الالتفاف الجماهيري أعطى الجيش دفعة معنوية سيكون لها ما بعدها..
تاور: التموضع الجديد للجيش سيسهم في الانفتاح على بقية مناطق العاصمة الخرطوم..
العميد جمال الشهيد: أسلوب التحرك المتزامن ساهم في إنجاح عملية العبور..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
أثمرت معارك العبور التي خاضتها القوات المسلحة فجر الخميس مسنودة بالقوات النظامية والأمنية والمستنفرين والمجاهدين، عن دحر ميليشيا آل دقلو الإرهابية وطردها من المواقع التي كانت تتموضع فيها منذ اندلاع تمردها الغاشم في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م في كل من الخرطوم والخرطوم بحري، وتتخذ القوات المسلحة من أماكن تموضعها الجديدة منصات تنطلق منها لاستعادة السيطرة على مواقع جديدة في الخرطوم والخرطوم بحري وصولاً بالعمليات العسكرية إلى غاياتها النهائية والتي تهدف إلى طرد ميليشيا آل دقلو من كل العاصمة.
العملية الأكبر:
وكانت القوات المسلحة السودانية نفذت في الساعات الأولى من صباح الخميس أكبر عملية عسكرية برية تشهدها ساحة العمليات منذ اندلاع الحرب قبل نحو عام ونصف، انطلقت بها من مدينة أم درمان، عابرةً جسري النيل الأبيض والإنقاذ باتجاه الخرطوم، وجسر الحلفايا نحو الخرطوم بحري، وتعتبر هي الأكبر من نوعها من حيث عدد الجنود المقاتلين الذين ضموا تشكيلات عسكرية اشتملت على كل عناصر الجيش في القوات البرية والبحرية والجوية، بالإضافة إلى القوات المساندة من هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات، وقوات الشرطة، والمستنفرين والمجاهدين، حيث انصهروا جميعاً في بوتقة الإصرار والعزيمة وقوة الإرادة على عبور الجسور الثلاثة مشياً على الأرض لمواجهة العدو من المسافة صفر.
مفاجأة داوية:
لقد أحدثت تشكيلات المشاة التي تكونت منها العناصر المختلفة للقوات المسلحة، المسنودة بالطلعات الجوية، ركبة كبيرة في صفوف ميليشيا الدعم السريع التي شلّت المفاجأة الداوية حركتها، كيف لا وهي التي لم تتعود على ملاقاة الجيش وجهاً لوجه، وإنما كانت تتعرض لغارات الجو من قبل سلاح الطيران فتختبئ في منازل المواطنين والأعيان المدنية، ولكن سيناريو صبيحة الخميس السادس والعشرين من سبتمبر ٢٠٢٣م، كان مختلفاً، إذ عبرت تشكيلات مشاة الجيش الجسور الثلاثة، فأصبحت ميليشيا آل دقلو في مرمى نيرانها، ولا تملك أمامها سوى واحدة من ثلاثة خيارات، إما الالتحام والمواجهة، وإما التسليم، وإما القفز فوق مياه النيل، فيا لها من مصيدة لا فكاك منها وكأني بها تقول: البَحرُ خَلفي والجيوشُ إزائي، ضَاعَ الطريقُ إلى الهروب وَرائي.
خطة الانطلاق:
وكان مساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن ياسر العطا قد أكد في وقت سابق استعداد الجيش للزحف في كل الاتجاهات، كاشفاً عن خطط أعدتها القيادة العليا للانطلاق، وأن كل المناطق جاهزة والإمكانيات متوفرة، ليكون الزحف متزامناً في جميع محاور وجبهات القتال، ولكنه لم يحدد ساعة الصفر، وأي المناطق ستكون مستهدفة بالعمليات البرية المسنودة بالطلعات الجوية، وظل تحديد موعد فك اللجام وإطلاق يد القوات المسلحة والقوات المساندة لها للإجهاز على ميليشيا الدعم السريع المتمردة، محل جدل ونقاش الشارع السوداني الذي ( دخّن لفافات الصبر ) حتى ملّه الصبر ووصل درجة من الاستياء والتململ من استراتيجية القوات المسلحة القائمة على سياسة الحفر بالإبرة، في وقت ظلت فيه ميليشيا الدعم السريع تواصل انتهاكاتها وارتكاب جرائمها تجاه المواطنين.
جاهزية وتنسيق محكم:
ويتفق عدد من الخبراء والمحللين العسكريين على أن ثلاثية السرية والمفاجأة والصدمة كانت أهم عوامل نجاح عملية زحف الخميس وعبور القوات من أم درمان إلى الخرطوم والخرطوم بحري عبر المحاور الثلاثة، ويكشف الاستراتيجي والخبير العسكري الفريق شرطة دكتور جلال تاور، عن تنسيق عالي وترتيب دقيق وتخطيط محكم نفَّذته القيادة العليا للقوات المسلحة في تنفيذ عملية العبور، وأبان في إفادته للكرامة أن الجيش كان جاهزاً من حيث إعداد القوات لوجستياً بالمعدات والعتاد الحربي وكافة الاحتياجات، بالإضافة إلى تحدي شخصي خاص بالأفراد من الضباط وضباط الصف والجنود الذين كانوا يتشوقون لهذه العملية، وأكد الفريق جلال تاور أن التوقيت الدقيق الذي كان ما بين الساعة 2:00 إلى 3:00 صباحاً من أجل التحرك وتنفيذ هجوم موحد في عدة جبهات، قد ساهم في إنجاح هذه العملية التي فاجأت العالم، قبل أن تصدم ميليشيا الدعم السريع، التي لم يكن أمامها سوى التراجع والفرار من أمام هذه القوات التي قال إنها كانت بأعداد ضخمة ومهولة وتتحرك بثقة وثبات.
أسلوب التحرك المتزامن:
ويعزي العميد دكتور جمال الشهيد نجاح عملية العبور إلى التزام القوات المسلحة بما وصفه أسلوب التحرك المتزامن الذي قال إن الجيش جربه لأول مرة منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م، وأبان العميد جمال في إفادته للكرامة أن القوات المسلحة كانت تتحرك في السابق في محاور بعينها وفق عمليات خاصة، ولكن في هذه المرة تم التخطيط لهذه العملية وبثورة منهجية وفقا لتقدير موقف عسكري، حيث تمت دراسة كل العوامل بما فيها موقف العدو، منوهاً إلى عمليات الاستطلاع الجوي التي كانت تقوم بها القوات الجوية التي قال إنها نفذت حوالي ٢٠٠٠ طلعة قبل تنفيذ عملية عبور فجر الخميس.
مناطق حيوية:
إن أهم ما حدث في عملية عبور القوات المسلحة إلى الخرطوم هو استلام موقع الاستراتيجية، يقول الفريق شرطة دكتور جلال تاور الذي وصف موقع الاستراتيجية بالنقطة الحيوية والمحورية لكونها تقع في شارع الغابة وتقود إلى منطقة اللاماب وسلاح المدرعات، منوهاً إلى عدة مناطق نجحت عملية العبور في التموضع بها كمتنزه المقرن العائلي، وفندق الهيلتون، ومسجد الشهيد، والمتحف القومي، وقاعة الصداقة، وبنك السودان المركزي، وموقع شركة زين، وشركة النيل، وجسر توتي، ومنطقة السوق العربي وشارع المك نمر الذي لا يبعد عن القيادة العامة للقوات المسلحة، وأكد الفريق شرطة جلال تاور أن المناطق التي سيطرت عليها القوات المسلحة والقوات المساندة لها ستسهم في الانفتاح على بقية مناطق العاصمة الخرطوم، وخاصة بعد دخول الآليات إلى ميدان العمليات.
تأثيرات إيجابية:
وتناول العميد دكتور جمال الشهيد بعض التأثيرات الإيجابية لعملية العبور وانعكاسها على رفع الروح المعنوية للقوات، مثل استخدام أسلحة جديدة ومؤثرة، هذا فضلاً عن حضور القادة والتزامهم بجانب قواتهم، مشيراً في هذه الصدد إلى وجود مساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن ياسر العطا الذي ظل مرابطاً مع هذه القوات منذ بداية المعركة، محفزاً ومشجعاً ومبشراً بالنصر الكبير قبيل انطلاق العملية البرية، ونوه العميد جمال الشهيد إلى التفاعل الكبير والتلاحم منقطع النظير من قبل الجماهير التي تدافعت تلقائياً والتفَّت حول هذه القوات في الخرطوم، فيما احتفلت جماهير أخرى في بعض الولايات، وفي معسكرات النازحين، وحتى في بعض دول المهجر بهذه الانتصارات، مبيناً أن هذا الالتفاف الجماهيري سيكون له ما بعده في استمرار القوات المسلحة والقوات المساندة لها للوصول بهذه العملية إلى غاياتها.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ فإن القوات المسلحة ضربت بتنفيذ عملية العبور الكبرى أكثر من عصفور، فقد وصلت إلى العاصمة الخرطوم، ومدينة الخرطوم بحري اللتين كانتا تحت سيطرةٍ شبه كاملة لميليشيا الدعم السريع، كما أن عبور الخميس أكسب الجيش مناطق تموضع جديدة، قبل أن يعزز من قيمة الثقة ما بين الشعب السوداني وقواته المسلحة، ويعطيها ضوءً أخضراً للانطلاق والمضي قدماً لتنظيف الخرطوم من دنس الميليشيا المتمردة، والاستعداد لتنظيف كل مناطق السودان، فمشوار النصر الأكبر، كانت انطلاقته صبيحة الخميس المؤزر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى