الأعمدة

صدى السنين الحاكي.

من يخطو نحو السبعين مثلي شاء أم ابى لابد ان يصبح خزينة من الحكايات التي خطها الزمن بقلمه على صفحة وجدانه المثقل بشتى التجارب مع من انبهرنا بمعارفهم من استاذتنا الذين اجهدناهم بعناد الغرور الشبابي الذي كان يصور لنا في فورة تلك المرحلة اننا ملكنا ناصية الفهم و الثقافة و السياسة والكياسة والاناقة والوسامة..فكانوا على درجة من اللطف و اللباقة في ردنا الى مربع التواضع لنتقبل نقدهم الهادف واصلاحهم القويم و تنويرهم المشع وكل ذلك فتح لنا افاقا للانطلاق بثقة ونحن نمني النفس ان نتشرب من انهار الحياة سقيا التزود لغدنا المنشود .
رغم انني قد دلفت الى زحمة العاصمة بمقاييس ذلك الزمان في سني الدراسة الابتدائية لكن ولعي بان ارتاد المشهد الفني والاعلامي جعلني اتلمس الطريق الى منتديات ذلك المشهد في شغف حفزني عليه والدي عليه الرحمة والمغفرة الذي كان قريبا من نجوم الحياة العامة حينها على مختلف ضروبها ..فقد شاهدته يجالس عظماء ذلك الزمان وكنت استمع الى مناقشاتهم في انبهار تمنيت وقتها ان احسن الحديث مثلهم واجيد الاصغاء كما رايتهم يتجلون في تهذيب الكلام وادب الاستماع .
ففي ذلك الزمان كانت مصادر الثقافة محدودة لاتتعدى النشاط المدرسي الذي يتجاوز حدود الدروس الى الجمعيات الادبية وممارسة الجمباز والرياضة بانواعها وتكريس ثقافة نظافة المكان والابدان وتجويد البلاغة والامساك بعنان القلم ..ثم تاتي المكتبات العامة كرافد معرفي هام كانت الدولة توليه اهتماما ربما ينازع اهتمامها بالكتاب المدرسي ..ثم ان الاذاعة لعبت دورا كبيرا في فتح فجوة تلقينا لمختلف صنوف الوعي السياسي المبكر و التشبع بالمعاني القيمة للفن الاصيل الذي يرتقي بالذوق ولا ينحدر به .
لا نستطيع بالطبع ان نعيب ازمنة الاخرين الذين ولدوا من بعدنا فلكل زمان معطياته التي تنناسب مع مجايليه من البشر ..فالحياة بطبع تقلباتها تقسو في موضع وتسهل في اخر ..ولكل انسان ذكريات ماضيه التي تراود يقظته وسباته وله من الاحلام ما يطرق بالحاح على ابواب مستقبله ايا كان مداه .
وقد يتبرم الكبار منا من اختلاف سلوكيات أبناء وبنات الحاضر ولكننا لسنا دائما نكون على حق مثلما هم قد يجانبهم بالمثل الصواب .
المهم الا يدفعنا تباعد العقليات عن بعضنا لان الحاضر هو ظل متحرك لن يلبث ان يكون ماضيا والغد شمس تشرق لتغيب ولكن تواصل الاجيال بتقدير واحترام كل جيل لظروف الآخر بما يكمل دورة استمرارية ذلك التواصل لتمضي الحياة ممتدة كخيط المسبحة تتساقط منها حبات لتنضم اليها غيرها..وهكذا دواليك تتوالد الذكريات بكل مذاقاتها ما بين المر الذي يعلق في ذائقة اللسان ولكن دون ان يدفع بنا الى الياس والاحباط وبين الحلو الذي يفتح شهية المرء ليحيا معطاءا بما تجود به مقدراته على التواصل مع تلون الايام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى