الأعمدة

قراصة بدمعة الشوق

" حين دهمتهم السيول واخذت كل شئ وعجزت عن تجريدهم من شيمة الكرم : ديل اهلي

” سلسلة من نخيل بلادنا سلااااام .. اعداد احمد الامين بخيت


” دهمتهم السيول وجردتهم في لمح البصر من جميع المقتنيات والممتلكات ومخازن المحاصيل الزراعية التي يقتاتون منها طوال العام عدا ان السيل الجارف رغم عتاوته وقساوته وسطوته لم يستطع تجريدهم من شيم الكرم والنخوة بالرغم من هول الكارثة التي حلت بهم بغتة حين اصبحوا بين ليلة وضحاها مشردين بلامأوي يفتروشون الارض ويلتحفون السماء بعيون زائغة وبطون جائعة واذان مفتوحة نحو اجهزة الاعلام الرسمية ترقبا لوصول اغاثة لم تصل ولن تصل ابدا وعشما في وسيلة انقاذ من الاجهزة الحكومية المتخصصة التي بدت في هذه الازمة كالشخص فقد للبوصلة وحس الاتجاهات حين ضل طريقه وسط صحراء قاحلة لامتناهية
” سعدت اليوم بتلبية طلب قريبي جعفر خضر فجللي الذي لم التقيه من قبل لتناول وجبة فطور ( قراصة بالدمعة ) والتي تفوق دمعة الشوق في دفئها ونداوتها بالف دمعة ودمعة جراء الشطة الممزوجة بالشطة والليمون الي جانب صحن ( فحل البصل ) الاحمر الفاتح للشهية والاكثر استفزازا للدموع
” رغم بساطة طبق الافطار الذي تم اعداد قراصته من دقيق القمح الطاعم الذي تنتجه حقول اهلي بقرية الحجير عدا ان الدمعة المطبوخة بحب كانت قد شكلت الاضافة اللازمة وكان لهذه الثنائية والخلطة السرية والسحرية فعل السحر فيما الت اليه الاوضاع عقب الفراغ من التهام الوجبة الدسمة عن اخرها والعيون كانت مازالت شاخصة انتظارا للزيادة التي ما ان وصلت حتي اصبح مصيرها مصير الطبق الاول ولم يكن امامنا في تلك اللحظات سوي ( لحس ) اصابعنا بلذة متناهية حتي نقضي علي اخر ماتبقي منها وفي تلك اللحظات ينتابك احساس من لم يتناول وجبة الافطار قبل برهة قليلة او انه مازال يطمح في المزيد لو لا الحياء !
” منزل قريبي جعفر عباس لم يكن استثناء حين داهمته السيول وحطمته كما يبدو في الصورة واخذت في طريقها جميع مقتنياته ومدخراته ومع ذلك ظل صامدا حامدا شاكرا عندما قابل المحنة بثبات ويقين والدلي تلك الابتسامة لاتفارق وجهه البشوش
” رغم صلة القرابة المتينة التي تجمعني بالاخ جعفر الا ان ظروف الحياة وتشعباتها كانت قد حرمتنا من اللقاء وها نحن نلتقي بعد ان جمعنا المصاب مابين الحرب القائمة في العاصمة الخرطوم والسيول التي داهمتنا هنا بديار الشايقية وكدنا ان نروح ضحيتها انا وشقيقي الاصغر حين جرفتنا لمسافة لاتقل عن 100 متر وهي في طريقها الي البحر وبعناية الله وفضله نجونا بفعل (حيطة الحوش ) التي كانت مازالت قائمة وتصارع الي ان خارت قواها وتمددت في الارض بعد ثواني وعقب ان ادت دورها في انقاذنا من الموت المحقق بفضل العناية الالهية
هذه الواقعة تحديدا اليت علي نفسي ان احتفظ بها كاحد الاسرار الخاصة بتلك الليلة التي دهمتنا فيها موجات السيول العارمة حتي لا اتسبب في اثارة الهلع والجزع بين الاهل والاصدقاء الي ان جاء وقتها الان ليعلم الجميع حالة الخطورة التي عايشناها وخرجنا منها بارواحنا سالمين مع تكبدنا للكثير من الخسائر من بينها دمار المنزل بجميع محتوياته دمارا شاملا وبذلك لم يتبقي لنا الا ستر الله سيما وان الحرب العبثية التي كانت سببا في نزوحنا كانت قد قضت علي اخضرنا ويابسنا ومنازلنا ومقتنياتنا التي جمعناها في العاصمة لسنين عددا بعرقنا وجهدنا فهي وان لم تعد فكيف يعود لنا الصبا والشباب حتي نبدأ من الصفر
” ديل اهلي … ولو ماجيت من زي ديل واسفاي وامآساتي واذلي !!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى