الأعمدة

تجازوت الجدل بشأن غيابها خلال الحرب.. الشرطة السودانية.. عـودة الروح..

استفادت من العبور الكبير للجيش، وتوسعت في المناطق المحررة..
أعدت منسوبيها بدورات متقدمة في حرب المدن وحماية المنشآت..

هيَّات نفسها لما بعد الحرب بفرض هيبة الدولة وسيادة حكم القانون..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
قطعت الشرطة لسان الجدل الذي ظل يدور بشأن غيابها عن المشهد خلال فترة الحرب، خاصة مع انتشار أعمال السلب والنهب للبيوت والمحال التجارية، وبدأت خطى أنشطتها وبرامجها تنتشر بشكل ملحوظ في المناطق المحررة تعزيزاً لاستقرار المواطنين ولاسيما في ولاية الخرطوم التي شهدت انطلاقة الشرارة الأولى لتمرد ميليشيا الدعم السريع التي كانت حريصة على تحييد قوات الشرطة، فعملت على الاستيلاء والسيطرة على كافة مقراتها بداية برئاسة وزارة الداخلية وانتهاءً بأقسامها المنتشرة في عدد من المحليات والأحياء التي وضعت عليها الميليشيا المتمردة يدها، وهو أمرٌ جعل عناصر الشرطة خارج التغطية وبلا أدوار يضطلعون بها في المناطق التي تشهد نزاعات إلا من قوات الاحتياطي المركزي والتي تعتبر قوات شبه عسكرية، عطفاً على التدريب العالي الذي تتلقاه هذه القوات بالإضافة إلى تميزها بتسليح أكثر فعالية وتقدماً، مقارنةً بالوحدات الأمنية والشرطية الأخرى، وقد خاضت قوات الاحتياطي المركزي ( أبو طيرة فكاك الحيرة) في خضم هذه الحرب، وقدمت العديد من الشهداء والمصابين والجرحى.
تناغم الوزير والمدير:
ونقلت قوات الشرطة رئاستها إلى بورتسودان المدينة التي اتخذتها الحكومة السودانية عاصمة إدارية مؤقتة خلال الحرب، ويوجد في بورتسودان أيضاً مقر وزير الداخلية اللواء شرطة “م” خليل باشا سايرين الذي جاء تعيينه عقب اندلاع الحرب، فأحدث بتناغمه مع المدير العام الفريق أول شرطة خالد حسان محي الدين، وأركان حربه من هيئة القيادة انقلاباً إيجابياً واضحاً في منظومة الشرطة بنشاطه الكبير، وقدراته المهولة على التحرك الميداني والوقوف شخصياً على الأحوال بعيداً عن أعين التقارير المكتبية التي غالباً لا تسمن ولا تغني من جوع، فرمت فعالية الوزير وديناميكيته الحركية بظلال بعيدة في عيون الولايات المستقرة التي شهدت نشاطاً متعاظماً للشرطة بمختلف وحداتها، من خلال تحرك الشرطة في أعلى مستوياتها بتفقد المرابطين في المواقع الأمامية، ودعم المجهود الحربي، وتفقد جرحى معركة الكرامة الوطنية، وتدشين العمل في عدد من أقسام الشرطة، ورفع وتيرة الضبطيات بتوقيف عدد من المتهمين في محاولات لتهريب منهوبات من الخرطوم.
حضور في مسرح العمليات:
ولم تغب العاصمة الخرطوم بوصفها مسرحاً للعمليات الحربية، من بال قيادة الشرطة التي أولتها اهتماماً واضحاً من خلال عديد الأنشطة التي تركزت في محلية أم درمان الكبرى، فتوسعت في كرري وأم درمان القديمة وام بدة، وازادت وتيره الاهتمام الشرطي بالعاصمة الخرطوم منذ عبور العبور الكبير للقوات المسلحة والأجهزة النظامية المساندة لها من أم درمان، والتقائهم بالقوات المرابطة في كل من الخرطوم والخرطوم بحري، فقد انعكس اتساع الرقعة الأمنية بولاية الخرطوم، والانفتاح على المناطق المحررة بشمال بحري، على انتشار قوات الشرطة بوحداتها المختصة في المناطق الآمنة التي شهدت إعادة العمل بعدد من الأقسام الشرطية تعزيزاً للأمن والاستقرار وبسطاً لهيبة الدولة وسيادة حكم القانون.
دفعة متخصصة:
واتساقاً مع واقع الحرب التي تشهدها البلاد دفعت قوات الشرطة بكوكبة من منسوبيها من الضباط وضباط الصف والجنود إلى ميدان التدريب والتأهيل في مجالات حرب المدن وتأمين المنشآت، فقد شهدت منطقة عمليات أم درمان تخريج دفعة متخصصة في هذا المجال بعد أن تلقت تدريبات متقدمة في حرب المدن وكيفية التعامل مع الحرائق والمتفجرات، الالتحام، المطاردة، والسواتر، والقنص، وحملت الدورة المتخصصة اسم الشهيد فريق شرطة حقوقي عمر محمد إبراهيم حمودة، وذلك بحضور والي الخرطوم، والمدير العام لقوات الشرطة ومدير شرطة ولاية الخرطوم.
فصيل متقدم:
ولما كانت ولاية الخرطوم مدركةً لأهمية الوجود الشرطي في ظل استمرار القوات المسلحة في التوسع ميدانياً، فقد ثمن الأستاذ أحمد عثمان حمزة والي ولاية الخرطوم بالجهود المتعاظمة التي ظلت تضطلع بها شرطة الولاية في دفع خطى الأمن، وتعزيز الاستقرار، من خلال تأمين أرواح وممتلكات المواطنين بالانتشار الواسع للقوات، والخطط الأمنية المحكمة بالتنسيق مع لجنة أمن ولاية الخرطوم، ووصف الوالي الشرطة بالفصيل المتقدم على صعيد جميع المعارك، مستعرضاً مساهمتها في تحرير العديد من المناطق من دنس ميليشيا الدعم السريع المتمردة، مبيناً أن دورة حرب المدن تأتي في إطار الإعداد والتجهيز المستمر لقوات الشرطة لإنهاء هذه المعركة والقضاء على التمرد بصورة نهائية.
وأعدوا لهم:
وتعي أذن قيادة الشرطة أن الخرطوم تمثل القلب النابض للسودان، لذلك توليها اهتماماً كبيراً ومتعاظماً، هذا ما أكده المدير العام لقوات الشرطة الفريق أول شرطة حقوقي خالد حسان محي الدين الذي أشار إلى حرص رئاسة الشرطة على إعداد منسوبيها في ولاية الخرطوم بما استطاعت من قوة بتجهيزهم بكامل المعينات اللازمة لتأدية واجباتهم ومهامهم المنوطة بهم في تحقيق الأمن والاستقرار وبسط هيبة الدولة وسيادة حكم القانون، وأشاد الفريق حسان بخريجي الدورة الذين تميز أداؤهم بتغطية المنهج التدريبي المعد بواسطة هيئة التدريب والإدارة العامة لتدريب ضباط الصف والجنود، موجهاً باستمرار الدورات التدريبية المتخصصة لأهميتها القصوى في تنمية المهارات، ورفع القدرات مما يساهم في تحقيق نتائج إيجابية على أرض الواقع.
إضافة حقيقية:
وكانت شرطة ولاية الخرطوم أسعد الحاضرين، لكون أن الدفعة المتخرجة ستشكل إضافة كبيرة للجهود التي تبذلها القوات المسلحة والقوات المساندة لها من القوات المشتركة والقوات الأمنية والمستنفرين والمجاهدين، في تنظيف العاصمة من ما تبقى من دنس ميليشيا الدعم السريع، وأبدى مدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق شرطة أمير عبد المنعم سعادته بتخرج هذه الكوكبة من المتدربين على حرب المدن وحماية وتأمين المنشآت، مؤكداً أهمية التدريب المتخصص في رفع قدرات الشرطي مما يؤهله لأداء مهامه بالصورة المطلوبة، وأشاد الفريق عبد المنعم بالجهود الكبيرة التي بذلتها الإدارة العامة للتدريب من خلال تنظيمها عديد الدورات التدريبية المتخصصة.
إقرأوا كتابيا:
ولم ينسَ مدير الإدارة العامة لتدريب ضباط وضباط الصف وجنود قوات الشرطة العميد شرطة عبد الله أبكر آدم، أن يستعرض كتاب إنجازات إدارته المعنية بتأهيل ورفع قدرات قوات الشرطة وتمثل هذه الكوكبة المتميزة بياناً بالعمل وقد تخرجت على يدي خبرات مؤهلة في مجال حرب المدن وحماية وتأمين المنشآت، مبيناً أن الدفعة المتخرجة والتي تحمل اسم الشهيد الفريق شرطة عمر محمد إبراهيم حمودة، تضم عدد ١٠٠ فرد بينهم (96) فرداً و(4) ضباط، وقد نالوا دورات تدريبية متخصصة في جميع أنواع فنون القتال المتعلقة بحرب المدن، وأشار العميد عبد الله أبكر إلى أن هذه الدورة تهدف إلى إعداد القوات بصورة متميزة للاستعداد والمساهمة مع القوات النظامية الأخرى في حرب الكرامة الوطنية من خلال الاضطلاع بمهمة حماية وتأمين المنشآت.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ تبدو رئاسة قوات الشرطة واعيةً بمطلوبات المرحلة القادمة، فلا غرو أن نراها وقد شدَّت مئزرها وشمّرت عن ساعد جدها للتعاطي بمسؤولية مع مرحلة ما بعد الحرب والتي سيكون للشرطة فيها القدح المعلَّى في بسط هيبة الدولة وسيادة حكم القانون، وهي مهام تتطلب التسلح بعدة عناصر مهنية وفنية مسنودة بالتأهيل ورفع القدرات، فسودان ما بعد الحرب سيكون مبنياً على الكثير من القيم والمبادئ والدروس المستقاة من هذه الحرب وتداعياتها الأمنية والإنسانية والاجتماعية، وهي ثلاثية لن يستقيم ظِلُّها إلا باستقامة وقوة عـود الشرطة، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى