هجوم على جمال بخيت بسبب “العربي والمصري”!
الهجوم الذي يتعرض له الشاعر الكبير جمال بخيت ،بسبب استبداله كلمة المصري بالعربي،في أغنية كتبها منذ أكثر من عشرين عاما بطلب من المخرج الراحل الكبير يوسف شاهين لفيلمه”سكوت هانصور” جاء بعضه من متجولين عابرين على مواقع التواصل ،وأكثره جاء من تيارات سياسية ترفض في أيدلوجيتها فكرة العروبة .. العابرين،يمارسون نوع من الدردشة تتلاسن فيها الكلمات وتتراشق على “المنصة”،لتمضية الوقت، في حين ينقض الرافضون لاستبدال الكلمة، على الشاعر للثأر من الدلالة اللفظية للكلمة ،خصوصا بعد أن اكتسبت صفتي الكرامة الوطنية ومقاومة المحتل من شعر فؤاد حداد(الأب الروحي لبخيت) في رائعته “الأرض بتتكلم عربي” التي شدا بها الموسيقار الراحل سيد مكاوي في أعقاب حرب الاستنزاف المجيدة التي كبدت العدو الإسرائيلي خسائر فادحة.
دارت عجلة الزمان،وينقلب عداد السنوات على معاني”الأرض بتتكلم عربي”، ويختفى الأبطال من مسرح الأحداث إلا المقاومة الفلسطينية بقيت،تواجه بجسارة جيش مدجج بأحدث الأسلحة الأمريكية،يوازيها في البطولة والفداء صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه رغم جرائم القتل الجماعي التي يرتكبها العدو.
بالتزامن ،جاء الاحتفال الخيري الذي تحتضنه دبي سنويا تكريما لأصحاب الهمم من نحو 50 دولة ،تحت عنوان “تحدي القراءة”، وتحت ضغط وعكة صحية كبيرة ألمت بالموسيقار عمر خيرت ،في وقت لا يسعف المنظمون ،للبحث عن بديل آخر، وافق الشاعر جمال بخيت على اقتراح خاص يتيح له اختيار ما يشاء من كلمات على إيقاع نفس اللحن الذي سبق وأن أبدعه الموسيقار عمر خيرت ،وبنفس الصوت الذي سبق وأن شدت به المطربة التونسية اللطيفة ،لطيفة.
ولأن جمال بخيت لا ينظم الكلمات في شعره،بقدر ما ينظم مشاعره في أبيات،تشكو الحب وتداعب حروفه مرة،وتناجي الحرية أكثر من مرة،وتحمل هموم الوطن كل مرة،انتهز تداعيات “الظرف الطارئ” وهو يحيا كمواطن مصري في قلب الأحداث التي تدمي الشعب الفلسطين ليعيدنا إلى زمن المقاومة ورفض الإنكسار ، فاستبدل كلمة المصري بالعربي ، ويحاول إعادة حقن جسد الأمة العليل،بهورمون المقاومة ،واستدعى من مخزونه الشعري كلمة واحدة فقط هي “العربي”مكتفيا بها،وكأنها ـ بمعناها الرمزي ـ تدعونا إلى المقاومة في تلك اللحظة الزمنية الفاصلة التي يتهدد فيها الحضور السياسي العربي.في الإقليم عبر خرائط “جيوسياسية” جديدة ،تجعل من العرب مجرد زبائن يشترون”الأمن”بأموالهم وأرضهم وأرواحهم.
أنتقد الرافضون للعروبة ،استبدال كلمة المصري بالعربي، ويحاولون توريط الشاعر في ما يجرح (من وجهة نظرهم) الشخصية الوطنية المصرية ، من خلال الخلط بين الذات الوطنية،والهوية القومية ..”الذات” لها خصوصيتها،و”الهوية” لها عموميتها،التي يمكن أن ينضوي تحت “لسانها” لكنات مختلفة وعادات مغايرة وثقافات متنوعة ،وكل وأي “تفاصيل إنسانية أخرى قد يتميز بها عمر عن جورج أو ينفرد بها مشعل عن بوسعيد.
لم يغب عن جمال بخيت قط،منذ أن عرفته شاعرا،وناشطا في الحركة الطلابية بالجامعات العام 1976 ،وقائدا لمسيرات كبرى طافت الشوارع في مظاهرات الخبز الشهيرة العام 1977 ،الخط الفاصل بين الذات والهوية ..مصر بأجوائها وتاريخها العريض في مختلف الأنشطة الإنسانية ،هي الذات التي تحضن جمال وتطبطب عليه ليرتمي في حضنها وينظم على صدرها مشاعر الحب ويشكو إليها حال الحرية..بينما تبدو العروبة لجمال هوية أو جواز سفر يتيح له الطواف على بيوت العرب.. ينادى على العقل في مصر لما يفوز،على كل ليل مهزوز..ومن فوق جبل لبنان وأمام “بحرين وداد وحنان” يطوف جمال و “بين الضياع بيفوت،وقلبه على بيروت”..وفي المغرب العربي الكبيريسافر جمال وينشد شعرا “أنا جي من طنجة/ قاصد نسيم وهران/واتوضا في جربه/واصلي في طرابلس/وأصوم في مصراته .. ثم يعود “مسحراتي العرب” إلى وطنه :”وف سينا ييجي العيد/وهناك يدلك طير على عكا أم الخير/ويتم خط السير إلى الجولان والشام.
العروبة عند جمال بخيت هوية تضيف إلى “الذات” ما يدعمها ويقويها،ويمكنها من تبوأ مكانة دافئة داخل كل بلد عربي،بفضل دورها التنويري في الإقليم سواء كان بالتعليم،أو بالآداب والفنون،أو بالرياضة ،وهو ما يراه البعض منا “رجس من عمل الشيطان” يستوجب العقاب،وذلك بتشويه المعاني والصور الذي نُظِمَتْ شعرا ،بكلمات شاعرين ينتميان إلى عائلة “دعم المقاومة “،من خلال تجريد كلمة “العربي” من زمانها ومكانها،وتجريف مقاصدها ،وغاياتها من المقاومة باعتبارها القدر المحتوم،للدفاع عن الوجود.
جاءت كلمة “العربي”موجعة لهؤلاء الذين يتشفون في المقاومة ،جاءت أشد من الحجر، وأحر من الجمر،كما قال لقمان الحكيم،فنال جمال بخيت ما ناله من إساءة مغرضة.. الأرض بتتكلم عربي،رغما عنكم،مهما كانت الانكسارات.
أحمد عادل هاشم