كشفت خلاله الحكومة عن رؤيتها لمعالجة تداعيات الحرب على الاقتصاد.. المؤتمر الاقتصادي.. أول الغيث قطـرة..
الانتهاء من صياغة رؤية لإعمار ما دمرته الحرب لتكون وثيقة دولية..
وزير المالية: ما خطط له الأعداء لانهيار الاقتصاد، لم يتحقق..
قوة الاقتصاد الريفي والاعتماد على الإنتاج الزراعي هو ما دعم الاقتصاد الوطني..
دكتور هيثم: على الحكومة التكيف مع الحرب بوضع حزمة من الإجراءات والسياسات..
لابد من طرح سيناريوهات يتم تغييرها باستمرار في ظل الأوضاع الماثلة..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
كشفت الحكومة السودانية عن ساق رؤية اقتصادية متكاملة عكفت الدولة على إعدادها لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، تم فيها تقدير حجم الدمار في القطاعات الحيوية، والوقوف على تجارب دول شبيهة لإعادة الإعمار، وأعلنت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي عن الانتهاء من صياغة الرؤية لتكون وثيقة دولية تطرح في مجالها، وحسناً فعلت الحكومة وهي تحشد الخبراء والاقتصاديين في مدينة بورتسودان للتفاكر والتباحث والتحاور حول الكيفية التي يمكن بها مواجهة تحديات الحرب وتداعياتها على القطاع الاقتصادي في السودان، حيث دارت تحت قبة المؤتمر الاقتصادي الأول الذي احتضنته مدينة بورتسودان نقاشات قوية وشفافة من أجل التوصل إلى صيغة مثلى لتحقيق تعافي اقتصادي مستدام.
إشارات النجاح:
المشاركة الواسعة في المؤتمر الاقتصادي الأول من قبل وزارات القطاع الاقتصادي وبنك السودان المركزي والمؤسسات والجهات الحكومية المعنية بأمر الاقتصاد على صعيد القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى المعنيين بالشأن الاقتصادي من الخبراء والعلماء والمفكرين، أعطت جميعها إشارات مبكرة لنجاح المؤتمر وخروجه بتوصيات ومقررات تستجيب للضروريات الواقعية التي تمخضت عن حرب الخامس عشر من أبريل 2023م والتي أشعلت فتيلها ميليشيا الدعم السريع بدعم وإسناد إقليمي ودولي يستهدف موارد السودان الواعدة، وثرواته الاقتصادية الضخمة، فكان هذه المؤتمر بمثابة خطوة تنظيم تتم من خلالها قراءة متأنية لتأثيرات الحرب التي تدخل شهرها التاسع عشر.
معالجة التدهور الاقتصادي:
لقد كانت أوراق العمل التي طُرحت على منضدة المؤتمر حريصة على سبر أغوار الوضع الاقتصادي الراهن وقتله بحثاً وتحليلاً وتشخيصاً طمعاً في إيجاد الدواء الناجع لكل ما علق بجسد الاقتصاد الوطني من أمراض فرضتها الحرب وتداعياتها المستمرة يوماً بعد يوم، مما يعني أن المؤتمر الاقتصادي الأول يستهدف في الأصل التوصل إلى رؤية تعمل على معالجة التدهور الاقتصادي، وتحسين الأداء الاقتصادي بشكل عاجل وإسعافي يتماشى مع واقع الحرب، فيما يمكن وضع رؤى أخرى لمعالجة اقتصادية متوسطة وبعيدة المدى، مع أهمية أن تستصحب كل هذه الرؤى العاجلة والإسعافية أو المتوسطة أو بعيدة المدى ضرورة تفعيل نظم الحوكمة والمؤسسية في إدارة اقتصاد الحرب، والاستفادة من التجربة لإدارة اقتصاد الدولة.
فساد خطة وتقشف:
فالحقيقة التي تعكسها مرآة الأحداث الماثلة أن هذه الحرب قد أقعدت مسيرة الاقتصاد الوطني، وهو الواقع الذي أكده وزير المالية والتخطيط الاقتصادي دكتور جبريل إبراهيم الذي قال خلال مخاطبته فاتحة أعمال المؤتمر إن الحرب أفسدت الخطط الطموحة وأجبرت الحكومة على سياسة تقشفية قاسية، وأبان دكتور جبريل أن الدولة لم تفقد المصادر الإيرادية وحدها، بل فقدت جزءً معتبراً من رأس المال البشري، وفقدت البلاد جزءً مهماً من بياناتها وذاكرتها القومية، مشيراً إلى أن قوة الاقتصاد الريفي واعتماد جزء كبير من المواطنين على الإنتاج الزراعي والحيواني هو ما دعم الاقتصاد الوطني، مبيناً أن ما خطط له الأعداء لانهيار الاقتصاد لم يتحقق، واصفاً الإنتاج الزراعي في الموسم السابق بالممتاز بكل المقاييس، ومؤكداً في الوقت نفسه أن الإعداد يجري الآن للموسم الشتوي بما يضمن نجاحه وزيادة الإيرادات العامة للدولة ودعم القطاع الاقتصادي، ووعد الوزير بسداد كافة استحقاقات العاملين بالدولة بنسبة 100% خلال الموازنة المقبلة 2025م، مشيراً إلى أهمية تطبيق الفدرالية المالية لتتبع الفدرالية السياسية.
البحث عن بدائل:
ويمتدح المحلل الاقتصادي دكتور هيثم فتحي الأبعاد التي ارتكزت عليها الحكومة في تنظيم المؤتمر الاقتصادي الأول، وقال في إفادته للكرامة إن وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي تحاول من خلال هذا المؤتمر البحث عن بدائل، ارتكازاً على مفهوم أن الاقتصاد يقوم على البدائل في حال فقدان البنود المالية التي كانت سارية قبل الحرب، مبيناً أن الوزارة تبحث عن القطاعات التي يمكنها أن توفر الإيرادات المالية للإنفاق على الأجور والكهرباء والخدمات العامة، وصيانة الطرق والصحة والتعليم، وشدد دكتور فتحي على ضرورة أن يعمل المؤتمر على وضع خطط تتميز بالحرص على استمرار واستقرار واستدامة توفير السلع والخدمات والبنية الأساسية للمواطن في ظل الظروف الراهنة، مطالباً الحكومة بالتكيف والتعامل مع هذا الوضع من خلال حزمة من الإجراءات والسياسات التي تمثل في جزء منها ردة فعل للتعامل مع الأحداث الحالية، ونوه دكتور هيثم فتحي على أهمية وضع مجموعة من السيناريوهات التي يتم تغييرها باستمرار نتيجة للتطورات والمستجدات السياسية والأمنية الراهنة.
معالجة الخلل:
في ظل هذه الحرب إما أن يحصل السودان على دعم خارجي منتظم من الدول الصديقة أو الشقيقة أو المنظمات الدولية المختصة بالتمويل، هكذا واصل دكتور هيثم فتحي حديثه للكرامة، وقال إنه في حال عدم الحصول على دعم خارجي ينبغي الاعتماد على المناطق الآمنة بتطوير خطط الإنتاج ومحاصرة الحرب في نطاق ضيق جدًا، منوهاً في هذا الصدد إلى أن الحكومة السودانية عملت منذ اندلاع على رفع النفقات في قطاع الدفاع والتسليح، وبالتالي فإن جزءً كبيراً من الأموال والميزانيات تم تخصيصها لصالح النفقات العسكرية بالإضافة إلى توجيه جزء من الميزانية نحو القطاعات الأمنية الداخلية مثل تجهيز الملاجئ والطواري الصحية والثغرات الأمنية والفجوات الغذائية، بمعنى توفير الحاجات الغذائية والصحية الأساسية للشعب وقال دكتور هيثم إن المؤتمر الاقتصادي الأول معنيٌّ بمعالجة الخلل الذي شاب الاقتصاد والإنتاجية والسياسات المالية والنقدية خلال فترة الحرب المستمرة منذ الخامس عشر من أبريل 2023م.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ فإن المؤتمر الاقتصادي الأول يمثل خطوة مهمة على طريق معالجة المشكلات والظواهر التي أنتجتها الحرب على مدار 19 شهراً، ولعل عظمة الفكرة أنها طُرحت في خضم الحرب مما يؤكد حرص المعنيين بالأمر وجديتهم على معالجة الخلل، والتماهي مع راهن الحرب الماثل، وفي المقابل فإن القراءات الأولية من هذا النهج تبشر بأن مرحلة ما بعد الحرب ستشهد حرصاً أكبر على وضع رؤية كلية تعمل على تحقيق إصلاح اقتصادي شامل، ينقل السودان من مربع الاستهلاك إلى خانة الإنتاج والمنافسة على مضمار كبريات الدول الأفضل اقتصاداً، عطفاً على الإمكانيات المهولة من الموارد والثروات التي تجعل من سودان سلةً لغذاء العالم، وقِبلةً لاستثمارات كبريات الشركات في مختلف المجالات.