الأعمدة

فاهم نفسه غلط !

اذا كانت الدبلوماسية تعرف بفن الممكن لانها عند محترفيها غالبا ما ترتكز على توصيل الفكرة بلغة مهذبة وناعمة وان كان طرفي النقاش على جانبي نقيض ..وذلك بما يجعل الفرصة واسعة للحركة في مساحة التفاهم للبحث عن حلول للمشاكل العالقة ايا كان نوعها أو حجمها .
فإن السياسة ايضا قد تكون هي في كثير من المواقف فن الكياسة التي تعطي بطول التجربة من يمارسها المقدرة على الخروج من المأزق التي تسبب له الوقوع في مزالق الحرج .
ولكن حينما يحاول السياسي لاسيما المخضرم أن يمارس اسلوب الفهلوة بلزوجة ادعاء معرفة بواطن الأمور وكأنه من القريبين إلى مطبخ القرار وهو غير كذلك أو كأنه صاحب الحظوة الذي يتزود بما يخرج طازجا من ذلك المطبخ زاعما لنفسه مكانة وهمية في استغفال مكشوف واستهبال واضح..فهنا لابد أنه سيقع في فخ يعري فيه هذا الزعم ويفضح زيف ما يدعيه ويصنفه كسياسي فاشل رغم طول ركضه في مضمار العمل العام لهثا في خط المعارضة تارة ..و تارة تجده في قلب معمعة الحكم لاسيما أن كان من النوع الذي يكتفي بالقليل من المكاسب في كلتا الحالتين إرضاء لضياع يعانيه في غمرة عدم فهمه الخاطئ لنفسه !
ولعل السياسي الحصيف مهما شاخت تجربته لابد ان تجده في اللقاءات الإعلامية متحسبا بجاهزية عالية للاسئلة الحرجة فيتخير اعداد حصيلته من الاجابات القائمة على الحقائق وصياغتها بالمنطق المقنع للقاريء أو المستمع أو المشاهد وقبل ذلك أن يكون واعيا لشخصية محاوره الذي قد يكون احيانا مشبعا بالمعلومة التي يبحث عنها في ذهنية من يحاوره ولا يفوت شاردة أو واردة لزنق ذلك الضيف متى ما اكتشف مكامن نقطة ضعفه ليصطاده في شباك الربكة التي تجعل منه أضحوكة هزلية !
مثلما حدث الليلة البارحة لذلك السياسي الذي لا يريد أن يستسلم لفرضية الزمن الذي يتبدل ولا يجامل او يتعظ من تقلبات مواقفه التي أحرقت الكثير من أوراق لعبته المملة في طاولة السياسة التي لا تعرف ديمومة تقدير الناس لممارسها إلا بمقدار احترامه لنفسه و احترامه لعقول من يخاطبهم وبحرص ودقة شديدين !
فاللاعب الحريف في دنيا كرة القدم أو أية رياضة أخرى حينما يشعر برهق أنفاسه فإنه يترك الملعب في ذروة تصفيق الجماهير له فيخلد في ذكراتهم مهما تعاقبت الأزمنة.. وهنا يصبح غير الذي يخرج و الملاعب تزفه بصفير الاستجهان الغاضب وليس بدواعي الوداع الحميم !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى