الأعمدة

الباعة الجائلون: صراع القانوني والإنساني

تحظر القوانين المحلية في السودان نشاط الباعة الجائلين باعتباره نشاطا غير مرخص به، و يهدد صحة المستهلك لصعوبة رقابة صلاحية البضائع والخدمات المعروضة للبيع في الطرقات والساحات العامة؛ وعدم خضوع البائع نفسه لكشف طبي يثبت خلوه من الأمراض المعدية، وغياب إجراءات السلامة الخاصة بالمنتج أو الخدمة المعروضة للبيع، كما أن هذا النشاط الاقتصادي غير الرسمي يضر بشريحة التجار المنتظمة التي تدفع ضرائب وتتحمل تكاليف ثابتة من إيجارات للمحال التجارية والمخازن وسداد لرسوم الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والنظافة وغيرها من الرسوم،
وتقدم نشاطا إقتصاديا منظما خاضعا لرقابة القانون وسلطته ،هذا بالإضافة إلي مايمكن أن يلحقه هذا النشاط غير المنظم من إضرار بنظافة البيئة التي ينشط فيها،وغيرها من المهددات .
بينما يري الباعة الجائلون أنهم ضحايا الحملات الأمنية من قبل السلطات، وأن المعالجات الأمنية ليست هي الحل ولن تكون الحل المناسب لقضيتهم ، وأن مشكلتهم تكمن في غياب إستراتيجية حكومية وأضحة للتعامل معهم لتنظيم مهنتهم من قبل السلطات أسوة بجميع المهن والنشاطات الاقتصادية الأخري، ذلك أن نشاطهم يصب في إنعاش التجارة الداخلية، وأن نشاطهم يلقي قبولا من أغلب المستهلكين لأن أسعارهم منخفضة مقارنة بأسعار التجار المنتظمين حيث لاتتضمن أسعارهم إضافة أي تكاليف ثابتة لهذا تلقي إقبالا ؛ وأن إيقاف نشاطهم في بلد يعاني من النزوح الداخلي بحثا عن الأمن والخدمات بسبب الحرب والتنمية غير المتوازنة يعني إزديادا في معدلات البطالة كون أن هذا النشاط الاقتصادي غير الرسمي يحصن الألاف من شر البطالة وأثارها السالبة علي المجتمع، كما أن معظمهم لايمتلك رأس المال الكافي لتحمل تكاليف ثابتة كايجار محل أو دفع ضرائب أو تكاليف خدمات أخري ؛ وأن أرباحهم من هذا النشاط الاقتصادي بالكاد تغطي إحتياجاتهم الاساسية من مأكل وملبس ومسكن.
ومابين القانوني والإنساني تبرز الحاجة لتنظيم هذه المهنة، وقيام نقابة خاصة بالباعة الجائلين تدير و تحمي منتسيبها، وتسعي لتطوير أدوات عملهم وضمان سعيهم في بيئة عمل صحية لهم ولمستهلك بضائعهم ،وأن تقنن السلطات الحكومية هذا النشاط ،وتصدر قانونا منظما له؛ وتمنح مهنتهم تراخيص بشروط وضوابط ميسرة ،و رسوم سنوية مناسبة تحصل من كل بائع متجول عند تجديده الرخصة في كل عام؛ مع تخصيص أسواق اليوم الواحد دعما وتنظيما لهذا النوع من النشاط، وأن توضع خارطة بالاتفاق مع الباعة الجائلين توضح الاوقات والأسواق المسموح فيها بالنشاط؛ وأن تحدد أيضا الاوقات والاماكن المحظور فيها ممارسة هذا النشاط الاقتصادي، ولائحة الغرامات الخاصة بأي تجاوزات للقانون أو لما أتفق عليه مع من يمثل المهنة،ومن المهم أن يوازن أي قرار حكومي بين ضمان حق الباعة الجائلين في العمل ،وبين تحرير الشارع العام من تعدي هذا النشاط غير المقنن وإفرازاته السالبة.
ختاما لابد من دراسة تجارب الدول الأخري التي تصدت لتقنين هذا النشاط الاقتصادي غير الرسمي؛ والاستفادة من التجارب الناجحة في هذا الشأن ؛كون أن هذه الظاهرة لاتقتصر علي السودان وإقليمه فقط ؛ بل تتعداه لتصبح ظاهرة عالمية تتمدد في أغلب طرقات وساحات مدن العالم ، وتتناسب طرديا حيثما وجدت نسب مرتفعة من البطالة في المجتمع المعين وغياب للتشريعات التي تحفظ حق الجميع في العمل بمايتناسب وقدراتهم الاقتصادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى