الأعمدة

صورة دوريان جراي / د. محمد بكر

رواية للكاتب الأيرلندي المولد الأنجليزي الجنسية أوسكار وايلد وهي الرواية التي صنعت له المجد والشهرة
وتدور أحداث الرواية في العصر الفيكتوري٬ تحديدا في مدينة الضباب “لندن” حيث يُكَوِّن الشاب الوسيم الساذج “دوريان” صداقة مع الفنان التشكيلي “باسيل” واللورد الخبيث “هنري”.
ويرسم باسيل لوحة رائعة تمثل دوريان، ويشاهدها اللورد هنري ويفتن بها٬ ويحاول إقناعه أن يبحث عن المتعة في حياته، ويقوم دوريان بعقد صفقة مع الشيطان على ألا يشيخ أبدا ويظل متمتعا بالشباب الدائم، وأن تصاب صورته بالشيخوخة، وتظهر عليها آثار حياته الفاسدة شريطة ألا يراها أبدا.
وبالفعل تمتد الحياة بـ”دوريان جراي” ويخوض مغامراتها وكل مفاتنها وملذاتها٬ حتى أنه يضطر للانتقال للعيش في أكثر من مكان حتى لا يلاحظ أحد أنه لا يتقدم في العمر أبدا٬ وما إن يكشف عن سر صفقته مع الشيطان حتى يبدأ في ارتكاب سلسلة من جرائم القتل ليحفظ سره٬ إلا أنه في نهاية المطاف يتقابل وصورته التي كان يخفيها بعيدا عن الجميع حتى عن نفسه وجهًا لوجه٬ فينقلب السحر على الساحر ويحترق دوريان.
الرواية تتحدث عن اعماق النفس البشرية ورغبتها في ممارسة الخطيئة والشبق الدائم بداخلها للتمتع بكل الملذات حتي المحرم منها شريطة الا يظهر ذلك للعلن وان يراك الناس دائما في صورة مثالية ونموذجية تبهرهم وتجعلهم ينخدعون بك
ولحظة الحقيقة الوحيدة هي ان تواجه نفسك وترى بشاعتك وقبحك بأم عينيك هنا فقط يستيقظ الضمير وتود لو تقتل نفسك بيديك العاريتين
الكثير والكثير من الناس في مجتمعنا المعاصر يمارس نفس ما مارسة الشاب دوريان جراي ولكن الخطر الحقيقي حين يمارس الصفوة تلك الافعال فيظهر منهم خلاف ما يقومون به سراً بل النقيض له تماما
اعلامي يقارع الخمر ليل نهار ويقضى الصيف في فرنسا ويدخن سيجار الواحد منه بمرتب شهر كامل لموظف في مصلحة حكومية يخرج علينا ليطلب من الفقراء أن تقبل برفع الدعم عن رغيف الخبز وأن الظروف الاقتصادية تحتم على الفقراء أن يتحملوا آثار التنمية وصعوبة المرحلة
لاعب كرة قدم سابق أو إعلامي رياضي يشعل نار التعصب ويغتصب القيم الرياضية في وضح النهار يوميًا ثم بعد عدة ايام عندما تحدث أزمة بين الجماهير ويسقط ضحايا للتعصب يتحدث عن الروح الرياضية والأخلاق الحميدة ودور الرياضة في تهذيب النفوس والسمو بالروح ويلبس الذئب ثياب الحمل الوديع
سياسي لا يعرف عدد العقارات والفيلات والسيارات التي يملكها من كثرة عددها يتحدث عن ضرورة قبول زيادة أسعار الكهرباء والبنزين والخدمات وأن الحكومة تقوم بدورها علي أكمل وجه ولكن العيب في المواطنين
آلاف النماذج التي تعيش بيننا بصورة علي غير حقيقتها وأكاد أجزم أنهم في جلساتهم الخاصة يضحكون علي سذاجتنا وأننا نصدقهم بل وندافع عنهم إذا انتقدهم أحد بصورة أو بأخرى
في نهاية الرواية شاهد دوريان صورته وبشاعتها فلم يتحمل وأخرج خنجره ليطعن الصورة لعله يقتل القبح فيها فمات هو وعادت الصورة إلى طبيعتها فقد مات الجسد الذي يحمل كل الآثام وعادت الروح نقية كما خلقها الله
ولكن في الواقع لا أعتقد أن أحداً منهم سيشاهد صورته ويقرر أن يعلن للناس عن خطاياه وأفعاله لعله يتطهر منها وسيظل يكذب ويكذب ويمارس الخطيئة حتي يحدث أمراً من بين أمرين
إما أن نستيقظ ونكشفهم ونكشف كذبهم وقبحهم أو أن يذهبوا إلى لقاء الله محملين بالخطايا والآثام ووقتها لن يستطيع أي رسام أن يجمل صورتهم فهناك لا شئ غير الحقيقة المجردة والعدل المطلق .

د. محمد بكر

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى