الأعمدة

حتى لا يطول امد هذه الحرب !

الحروب هي كالامراض في مداهمتها لبنية الاوطان واجساد الشعوب ..بعضها قد يأتي على حين غرة كالجوائح والاوبئة التي تحصد الناس كالجراد خارج إرادتهم ومنها ما يستدعيه الإنسان إلى جسده بسوء السلوك و احتقاره لنصائح الآخرين من حوله بتجنب الوقوع في مخاطر محارقها سعيا باظلافه .
ولكنها في نهاية الأمر جمرة لا تحرق الا القدم الذي يمشي عليها .
صحيح أن بلادنا عاشت الكثير من الاشتباكات في أطرافها المختلفة ..ولكن بكل اسف وهذه حقيقة كنا في أنحاء أخرى من الوطن الواحد نشاهدها في تباعد مثل الآخرين في بقية العالم ربما كاخبار روتينية شأنها شأن التي تدور من أجل تحرير فلسطين أو تلك التي يشتعل أو أوارها بين الروس والاوكرانين .
ولكن وللتاريخ ففي فترة من الاوقات والثورة كانت جنينا قلقا في أحشاء زماننا فكنا شبابا نخرج لاسيما بعد ثورة أكتوبر 1964 في مظاهرات حاشدة غاضبة تجوب شوارع العاصمة وبقية المدن و الأرياف تنديدا بحرب الجنوب و نستنكر التعاطي ليس مع دعوات الانفصال فحسب وكان الشعار السائد( نو سبريشن.. اي لا للإنفصال ) وانما حتى ضد فكرة الكونفدرالية ونهتف هنا بالشعار القائل
( نو فدريشن فور ون نيشن ..لا نظام حكم مزدوج في دولة واحدة )
وهي رسالة بقدرما هي كانت تؤصل لوحدة الشعور الوطني الداخلي فإنها بالضرورة تخاطب أصحاب الأجندة من الاغراب تحذيرا بلغتهم من عدم اللعب بالنار قريبا من بلادنا .
ورغم التراكمات السلبية التي خلفهاالاستعمار وتركها كخميرة عكننة جاهزة للانتفاخ في سخونة تلك الأجواء العامة بالإضافة إلى تلك الأخطاء التاريخية التي ظلت ترتكبها العهود السياسية المتعاقبة وسياسيوها ما بعد مرحلة الاستقلال . لكن اسواها على الإطلاق كانت حقبة حكم الانقاذ التي جاءت لتعلي من بيارق التنظيم العقائدي فوق رأية الوطن الواحد و جعلت من مصلحة الجماعة هي الاحق عن مصالح بقية الشعب فذهب الجنوب ولم تخرج مظاهرة واحدة في الشمال تندد بالحدث الأليم ليس لأن الانفصال كان خيار شعب الجنوب بمحض إرادة الأغلبية الساحقة .. وانما لأن الحاكمون الذين أرادوا ذلك المصير لذلك الجزء العزيز علينا طفقوا يصورون لنا تأثيرا بادواتهم النافذة وكأننا كمن تخلصنا من عبء كان يعطل مسيرتنا ويعيق تقدمنا و هو يختلف عنا في كل شي !
حتى حينما تضاربت مصالح اولئك النفر من الحكام المتسلطون باسم الدين في كابينة حكم الخرطوم اتجهوا بعد ذلك حينما تفرقت بهم سبل المصالح وليس المبادئ فانجهوا لتصفية حساباتهم البينية في ميادين دارفور وانحاء قريبة منها واوقدوا للحريق مشاعل تبادلوا حملها مع الحركات التي صنعوها و جهزوا لها من أكوام الهشيم ما اطال عمرها حتى أعجز اطفاؤها مياه من أشعلوها .
فهل خرجنا مرة في الخرطوم أو غيرها من مدن الوسط في مسيرة تدين محرقة دارفور . فيما كان كيزان الحكم و اتباعهم يننظمون في مواكب هادرة و قلوبهم تهفو إلى مؤازرة حماس والجهاد الاسلامي وميدان رابعة ..مع اننا لا نشك طبعا في عدالة تلك القضايا ..ولكن من حقنا قبلا أن نتساءل .. الم تكن لنا أولوياتنا الداخلية التي تستوجب خروجنا من أجلها في شوارع لخرطوم على الأقل قبل ان يخرجوا جموعهم في مسيرات تتباكى على ما يحدث خارج الحدود فقط ليصرفوا أنظار الرأي العام المحلي عن النار الي كانت تاكل أطراف ثوب ستر عورتنا هنا والتي تسببوا فيها بصورة أو أخرى !

الان الجمرة اصبحت تحت اقدام حاضرة الوطن وعاصمتها الجريخة و باتت تتناثر آثارها في عدة صور من الدمار والخراب و الفوضى الأمنية والضوائق المعيشية والكوارث الانسانية والشتات الاجتماعي وما ستخلفه من تفاقم الفقر وتبعاته..ومثلما للحروب أضرارها التي يدفع ثمنها السواد الأعظم من الأبرياء موتا وجراحات و مأس لا تحصى ولا تعد و يتطلعون لايقافها اليوم قبل الغد اكتفاء بما نتج عنها من خسائر وان كانت فادحة وكارثية. . فهنالك ايضا من لهم مصلحة في إطالة أمد الحروب وهم تجارها وسماسرتها من ضعاف النفوس والاخلاق الخربة وأصحاب المصالح الضيقة داخليا وإقليميا ودوليا .

ولان المثل يقول ما حك جلدنا مثل ظفرنا في احتواء هذا الحريق قبل أن يتمدد دون الالتفات إلى الوراء والسؤال عن أسبابه ومن المتسبب فيه .. فليس هذا مجال ذلك الحساب الذي له أوانه ومكانه ..
وهنا تتجدد مسئؤلية قوى الثورة من كوادر الشباب والثوار الوطنيين الذين يقفون في ترقب على أهبة الاستعداد وعيونهم تدمع حيال هذا الدخان الكثيف لتتحرك سواعدهم لإحياء ورفع جذوة الثورة من جديد قبل أن يبتلع وميضها ظلام قوى الردة التي نحن على يقين انها ستظل تعمل جاهدة للعودة إلى الواجهة من بوابة هذا الحرب الماحقة .
ولابد من تفويت الفرصة علي اولئك حتى لا يطول أمدها فتصبح مجرد خبر عادي يتزيل نشرات الأخبار بعد أن كانت تشغل العالم لأسابيع منذ اندلاعها وظلت تشد عيون ومسامع اهتمامه الاعلامي .
وهنا ستكون المأساة و ستصبح حينها قضيتنا لامحالة كغيرها مجرد كرة تتبادلها جلسات المنظمات الإقليمية و الدولية لترتطم حبيسة بحوائط الإدانة والشجب وإبداء القلق وما يعقبه من اثمان سندفع فاتورتها فوق ما علينا من تراكمات ثقيلة لن تقوى ظهورنا المجهدة على حملها لا قدر الله.
وهو من وراء القصد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى