وقالها ذلك المزارع الحصيف ..!
ونحن نقضي ايامنا في بساطة الحياة ورتابتها مابين الافراح الكئيبة والاتراح الأليمة وسط الأهل في قريتنا الوادعة بولاية الجزيرة وقد اتيناهم ملاذا آمنا من جحيم القتال البغيض بين طلاب السلطة الحالمون وسارقيهاالمتشبثون بها ..وقد احتضننا دف الأهل بحنو وكرم مثلنا مثل الكثيرين الذين غادروا العاصمة مكرهين على ترك الديار والعمار و الجار .
وكنا نتابع تلك الأحداث الموجعة جاهدين رغم الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وضعف وسائل الاتصال فتجدنا لا تفتر مجالسنا في كل الأوقات عن تحليل ومناقشة ما يجري في البلاد من حريق ودمار ونهب و استباحة للأملاك العامة والخاصة ..بينما ينحي كل طرف من طرفي الحرب باللائمة على غريمه بالتسبب في انطلاقة شرارتها و كارثية تبعاتها .
ولكن الأسواء من كل ذلك قتامة وعدم إمكانية التنبوء بموعد نهايتها !
وعادة ما ينبري الشباب والمثقفون بمجالس القرية في تحليلات متضاربة بين مؤيد لهذا الطرف أو من يحمل ذلك الطرف مسئؤلية ما يعتصر الوطن من ألم ممض الخشية أن يستعصي استئصال اورامه على الأطباء والجراحين المعالجون ويفلت زمام الأمور ليتحول لا قدر الله إلى حرب أهلية ضروس تنخر في هزال بقية أنحاء الوطن التي تداعت لأوجاع العاصمة القومية المترهلة بالسهر والحمى والصداع .
غير أن رجلا مزاراعا كان يجلس قريبا من احد تلك المجالس العامرة بدأ يزحف بمقعده بعد أن شدته سخونة النقاش نحو الجلسة فيما احس الجالسون أن الرجل يريد إبداء رأيه ..فطلبوا منه أن يدلي بدلوه في الأمر وطفقوا ينصتون له باهتمام بالغ لأن بداية حديثه تنبئ بأنه يملك من الحكمة ورجاحة الرأي بما يخالف مظهره المتواضع و شعره الاسعث في زمان كثيرا ما يهتم الناس بالشكليات والمظاهر .
قال في بداية كلامه ..انا لن أخوض في مصطلحاتكم التي عرفتم بها الأزمة من الناحية السياسية و لن اقف كثيرا عند دور هذا التيار السياسي أو الاتجاه المعاكس له لأن صراع الفعاليات المدنية مهما استطال وتشعب فهو محض جدل افكار وتباين برامج ذات رؤى يحتمل بعضها الصواب مثلما يمكن أن يقع البعض الآخر في عثرات الخطأ والعكس يكون الصحيح أيضا ..و لكن في النهاية مهما اشتد الجدل بينها واشتط فإن الاستحقاق الانتخابي متى ما تهيأت له الظروف المناسبة وبدت الأجواء الملائمة فإنه سيحسم الأمر بين تلك الفعاليات بنتيجته التي تكتبها الإرادة الشعبية باقلام التصويت عبر الصناديق .
ولكني حتى الا أطيل عليكم سأوجز الأمر بتحميل طرفي الصراع العسكريين اسباب ونتائج هذا الصراع واعتقد بل يحدوني اليقين أن عدالة السماء أرادت أن تقول كلمتها فيهما في الدنيا قبل الآخرة بأن فجرت بينهما فتنة تقتص من كليهما لكل ضحاياهما الأبرياء في دارفور وانتفاضة 2013 و ساحة الاعتصام و مظاهرات ما بعد جريمة انقلابهما الذي مهدا به لهذا الحريق وقد أصابهما في قوتهما التي بدداها باستهتار وطيش صبياني و دفع جنودهما أرواحهم ثمنا لاطماعهما الذاتية و اخطائهما الفادحة التي ستعطل البلاد عقودا طويلة وكنا ندخر جنودنا في جيشنا الوطني لحماية الوطن من اي عدوان خارجي او تحرير حدوده المحتلة لا لتدميره و استباحته من الداخل بقوات دخيلة عليه ولكنه تبناها وعلمها الرماية حتى أسند ساعدها ورمته في مقتل !
ولطالما تشدق هؤلاء الطغاة كذبا المفجرون لهذه القنبلة الموقوتة في وجه شعبنا بأنهم مع الثورة و يسعون لإصلاح مسارها حتى كشفت مزاعمهم واراحيفهم هذه الأزمة التي أدخلا فيها البلاد والعباد دون ذنب ولا جريرة !
تحدث ذلك المزارع الحصيف فاوجز و فسر بكل ثبات وثقة وكأنه يحاضر في مدرج جامعي وقد تبدى ذلك المعنى جليا في درجة اهتمام الحضور الذين صمتوا كمن حطت على رؤوسهم الطير ..و كان حديث المزارع البسيط في مظهره و الحاضر في فكره مسك الختام الذي لفت الأنظار بغض النظر عن قبول بعض الجلوس لوجهة نظره أو اختلاف البعض الآخر معه .
وهكذا هو طين الريف الذي يحتوي في احشائه الدرر الثمينة والتي تبرز الي السطح دون تكلف أو عناء بحث أو تلميع زائف ولكن عندما يكون لكل مقام مقال .