الأعمدة

انتصار بطعم الهزيمة

منزل الراحل عبد الله خليل بك رئيس الوزراء الاسبق لم يكن في ضواحي ام درمان البعيدة .. فهو بالكاد يلاصق منزل الزعيم الخالد اسماعيل الازهري و المنزلان يطلان على شارع رئيسي وعلى مرمى حجر من كوبري شمبات ..لو ان دبابة واحدة من قوات نظامية كانت تقف على ناصية ذلك الشارع لما تعرض الاول لاستباحة اوباش الدعم السريع له بهذه الصورة المزلة ولما بات الثاني عرضة لذات المصير في ظل حكومة انقلابية ناقصة الارادة و دولة مفككة غابت بل وعجزت عن حماية نفسها ومرافقها السيادية و العسكرية الاستراتيجية فكيف لها إن تحمي منازل الرموز التاريخية !
مثلما اللواء فضل الله برمة ناصر الضابط الكبير الذي شغل منصب عضو المجلس العسكري في الفترة الانتقالية التي اعقبت انتفاضة ابريل 1985 وهو الآن رئيس حزب الامة المكلف ..منزله هو الآخر في منطقة تقع شرق مطار الخرطوم ولا تبعد عنه إلا بمسافة قد لا تزيد عن مئات الامتار و يقع المسكن وسط عدد من بيوت كبار الضباط من الذين تقاعدوا بعد ان أدوا واجبهم العسكري على اكمل وجه ..ومع ذلك يدخل عليهم رباطة الدعم السريع وفي رابعة النهار ..وقادة القوات المسلحة الذين يديرون المعركة من تحت الارض اخر من يعلم بهذه المهزلة المسئية لهؤلاء الرموز وغيرهم كثر والتي تطعن في سمعة قواتنا النظامية بمختلف تشكيلاتها!

فإذا كان هؤلاء بكل تاريخهم لا تعيرهم قيادات الدولة النظامية المشغولة في حماية ذاتها بالإختباء في سراديب مكاتبهم بدعوى جعلها غرفة عمليات المعركة ..فكيف نتوقع منهم ان يفكروا في حماية المواطن البسيط الذي يتعرض للإهانة والإذلال و بهدلة محاكم تفتيش حميدتي التي انشاها المخلوع البشير ومن ثم مكنه لاحقا البرهان و مهد له ليمد في بساط سلطانه الى ما شاءت خطواته الذهاب حتى اصبحت له دولة موازية تاخذ من معادن الارض النفيسة كيفما ارادت التصرف بها.. و لها جيشها وعدتها وعتادها و تمتلك سلطة الاعتقال و لها سجونها و ربما محاكمها و لم يتبق لها إلا إن تفتح السفارات والممثليات القنصلية في بعض الدول التي تتعامل معها اقتصاديا و عسكريا كجهة اعتبارية وليست كمليشيا تهتك الاعراض وترهب الامنين و تنشر المرتزقة الاجانب و الحاقدين بالنعرات العنصرية السافرة و المصابين بعقدة الشعور بالدونية التي تدفعهم لكل هذه الاعمال المنافية لابسط اعراف الحروب التي لم يتربوا عليها او حتى سمعوا بها !
وفي آخر المطاف وبعد كل هذا الكابوس المرعب الذي امتد شهرا ونيف و قض سكينة العاصمة ومزق بقية حلم الاطراف بوهم السلام ..هاهم قادة الجيش المهزومين بانتصار الفوضى يبشروننا بانتصار قريب ولكنهم يطلبون من الشعب المنهك
بخزيهم ان يخرج لحماية ظهرهم من طعنات سنان تلك الرماح السامة التي شحذوها باسنان صمتهم و ضربوا لقائدها الجهلول سلام عظماء القادة واجلسوه حذوك الرتبة بالرتبة بل زاد شبرا على بعضهم فوق منصة محاكمة ضباطهم دون خجل او حياء !
فاي نصر لو تحقق بعد كل هذا الهزل الفاضح مهما احرزه هؤلاء القادة على تلك الافاعي التي ربوها فلدغتهم وسممت جسد الحياة كلها !
فهو سيكون بحق ذلك النصر البائس الذي سيجي متاخرا وبطعم الهزيمة النكراء التي لاتستاهلها عزة السودان ولاكرامة شعبه ولاهي تشبه بسالة جيش ارضا ظرف التي شهدت له بها سجلات دولة الكويت في ظل قيادة البطل الزيبق وقصته المشهورة .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى