رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

حماية المدنيين في حرب السودان : قراءة قانونية في ضوء القانون الدولي الإنساني

احمد التجاني دلدوم الختيم _
مستشار قانوني
🚦منذ اندلاع الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل 2023 ، يعيش الملايين من المدنيين واقعًا مأساويا تتصدره مشاهد القصف، والنزوح، والانتهاكات الجسيمة التي طالت أرواحهم وممتلكاتهم وسبل عيشهم ، في ظل هذا الواقع الكارثي، يبرز سؤال محوري : هل هناك قانون يحمي المدنيين في مثل هذه النزاعات؟
الإجابة باختصار : نعم، هناك قانون
وهو القانون الدولي الإنساني ، لكن الفارق الكبير والتحدي الأكبر يكمن بين وجود القانون ، وتفعيله واحترامه على الأرض .
🚦ما هو القانون الدولي الإنساني؟
القانون الدولي الإنساني، أو (قانون النزاعات المسلحة) هو مجموعة من القواعد الدولية التي تهدف إلى الحد من آثار الحروب والنزاعات المسلحة ، عبر حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال، كالمدنيين ، والجرحى، والنازحين، والعاملين في المجال الإنساني.
ويتكون هذا القانون أساسا من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وبروتوكوليها الإضافيين لعامي 1977 و2005، إضافة إلى الأعراف الدولية .
🚦من هو (المدني) في القانون؟
في النزاعات المسلحة، يعد مدنيا كل من لا ينتمي إلى القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة، ولا يشارك مباشرة في الأعمال القتالية ، ويشمل ذلك الأطفال، النساء، المسنين، وعموم السكان غير المقاتلين ،
وبموجب القانون يجب احترام المدنيين في جميع الأوقات، وحمايتهم من أعمال العنف، والمعاملة اللاإنسانية والهجمات العشوائية.
🚦ما الذي يضمنه القانون الدولي الإنساني للمدنيين في السودان؟
رغم أن النزاع الجاري في السودان يصنف كنزاع مسلح (غير دولي)فإن القانون الدولي الإنساني ينطبق عليه بشكل صريح، عبر المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف، والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 ، ويترتب على ذلك التزامات قانونية تحظر على أطراف النزاع:
1. استهداف المدنيين أو استخدامهم كدروع بشرية :
_ في واقع الحرب الحاليه ، كثيرًا ما أشارت تقارير حقوقية إلى وقوع المدنيين ضحايا لهجمات عشوائية أو موجهة، وهو ما يشكل خرقًا مباشرًا لهذه القاعدة.
2. الهجوم على المرافق المدنية مثل المستشفيات، محطات المياه، والأسواق :_ وقد وثق السودان منذ اندلاع الحرب استهداف العديد من المرافق الصحية والخدمية، ما يعد انتهاكا” خطيرا للقانون الإنساني .
3. تهجير المدنيين قسرًا أو تجويعهم كوسيلة من وسائل الحرب :
_ ملايين النازحين داخليا اليوم في السودان هم شاهد حي على أثر عدم احترام هذه الحماية .
4. حرمان السكان من المساعدات الإنسانية أو عرقلة وصولها :
_ أعمال الحصار، ومنع القوافل الإنسانية، أو مهاجمة العاملين الإغاثيين، كلها مخالفات تصنف ضمن الانتهاكات الجسيمة .
🚦المساءلة عن الانتهاكات: لا إفلات من العقاب
القانون الدولي الإنساني لا يكتفي بتحديد القواعد، بل ينص على مساءلة الأفراد والقيادات عن الانتهاكات الجسيمة، باعتبارها جرائم حرب ويشمل ذلك :
1. استهداف المدنيين عمدًا.
2. تدمير الممتلكات المدنية دون ضرورة عسكرية.
3. استخدام أسلحة أو أساليب حرب محظورة.
وتقع مسؤولية المحاسبة على عاتق الدولة، والمحاكم الوطنية، أو الآليات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، كما يمكن تفعيل آليات العدالة الانتقالية لاحقا” .
🚦ما الدور الذي يمكن أن يلعبه المواطن والمجتمع المدني؟
في ظل استمرار النزاع يصبح من الضروري نشر الوعي بهذه الحماية القانونية حتى لا يبقى القانون مجرد نصوص في الاتفاقيات ،
فالمواطن، والمجتمع المدني، والمنظمات الإنسانية، جميعهم شركاء في :
1. رصد وتوثيق الانتهاكات.
2. مناصرة الضحايا وتعزيز ثقافة المساءلة.
3. تعزيز احترام القانون داخل المجتمعات المحلية وأوساط النزاع .
🚦خروج : القانون لا يحمي من لا يعرف حقوقه
القانون الدولي الإنساني، وإن لم يكن قادرًا وحده على إنهاء الحروب فإنه يمثل خط الدفاع القانوني والأخلاقي الأخير عن كرامة الإنسان في أوقات الكارثة.
في السودان اليوم، حماية المدنيين ليست فقط مسؤولية من يحمل السلاح ، بل هي واجب جماعي، يمر عبر التوعية، التوثيق، والمطالبة الجادة باحترام ما تبقى من إنسانية في زمن الحرب ..
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل 🙏

زر الذهاب إلى الأعلى