الانتقام .. دين ودولة!
بلغ جشع المرابي ، مقايضة المال بلحم البشر ، هكذا “فضفض” الإنجليز ، إلى “الإنسانية” عن اليهود ، في أول “تقرير حالة” عنهم ، يصل إلينا مدونا عبر الأوراق ، بقلم أديب إنجليزي ، حاول بالشعر الإبحار في “النفس البشرية”، ولم يصل لمبتغاه، فانتقل إلى المسرح ودق ثلاث دقات، معلنا فتح الستار عن عروض خاصة للذات الإنسانية ، تشق بمبضع جراح “النفس”، وترى دوافعها ونوازعها التي تجعلها تصدق وتكذب، ترحم وتقسو ، تخون وتصون ، . لماذا تبكي، وما يضحكها.
مسرحية ، تاجر البندقية ، للإنجليزي وليم شكسبير ، تعد أشهر مصدر تاريخي على الإطلاق، يلتقط بالكلمة صفات “شخصية اليهودي”، ويحولها إلى صورة نمطية: مجرد ” مرابي ، يحب المال جما ، يفضل العزلة ، ويقايض المال بلحم البشر، في سلوك إنساني نادر لم يسبق أن شاهدته البشرية من قبل.
في النص المسرحي يمسك شكسبير بالدافع الرئيس من وراء ارتكاب يهودي ، حماقة خسارة المال ، وهو الحريص البخيل ، عندما أقرض تاجرا ، ثلاثة آلاف جنيه مقابل رطل من لحمه، إذا لم يوف بالدين في موعده.. الانتقام من التاجر المسيحي الذي يكره اليهود ، كان الدافع الأوحد ولا غيره ، ليشفي غليله من هذا الذي يكرهه… الانتقام ، شهوة متفردة في الشخصية اليهودية ، استجابة لأوامر الرب ، في توقيع عقوبة الانتقام على من يخالف أوامره ، والأمثلة متعددة :
1 ـ شمشمون الجبار ، البطل الاسطوري في الذاكرة الجماعية المتوارثة لليهود ، رأى في الانتقام من أعدائه ، فوزا في حد ذاته ، وقامر بحياته مقابل الفوز بالإنتقام ، وقاده ذلك ألى محو الوجود نفسه ،وموته شخصيا. (قضاة 15: 7-8)
2 ـ ديفيد ، شخصية أخرى معروف عنها في الكتاب المقدس، الشجاعه ، والصلاح ، وقرب الصلة والتواصل مع الله (ولى من أولياء الله) ومع ذلك، سعى للإنتقام من رجل يتمتع بالثراء ، رفض طلبا لتزويده ورجاله بالمؤن ، فغضب منه ، ويقررالانتقام ، ويخطط لقتل الرجل الثري وأسرته بأكملها. انتقام داود (صموئيل الأول 1: 25-1 ، 13: 25-36) .
3 ـ أبشالوم ، من أبناء الملك داود ، وكان معروفًا بحسن مظهره وطموحه. ومع ذلك ، كان لديه أيضًا خط انتقامي.، حيث تم اغتصاب شقيقته “ثامار” من قبل أخيهم غير الشقيق “أمنون” ، يغضب أبشالوم ويقضي حياته في التآمر لاجل لحظة الانتقام. انتقام أبشالوم (صموئيل الثاني 2: 13-23 ، 29: 18-9)
ما يفعله نتينياهو الآن ، لا يبتعد في المعنى عما فعله أجداده من قبل، وربما يتجاوزهم بكثير، ولديه في عقيدته ما يبرر، أمام نفسه وأمام شعبه الصهيوني ، فكرة الانتقام ، لحد محو الوجود ذاته .. هو شمشون الجبار وديفيد ، الولي /القاتل ، هو استنساخ لابشالوم المتآمر .
باسم الدين ، ينتقم اليهود بغل وكراهية من أعدائهم ، وبالانتقام ، انتزع اليهود وجودهم الإثني والعرقي والسياسي ، قبل تأسيس اليهود دولتهم بأكثر من عشرة أعوام بـ 18 مجزرة مسجلة بالوثائق، بدأت بسوق حيفا على يد عصابتي ” الإنسل ـ ليحي” 6 مارس العام 1937 ، في وقت لم يكن فيه لديهم طائرات أو صواريخ أو ترسانة الأسلحة الأمريكية ، إنما القنابل اليدوية والعربات المفخخة والبنادق ، وفي 12 يوليو من العام 1938 أصبحوا ثلاث عصابات بعد ظهور “الهاجاناه” وإعلان مولدها في قرية “بلد الشيخ” جنوب شرق مدينة حيفا الشيخ بالمجزرة رقم 10 ، لينشيء اليهود المثلث الأول (متساوى الأضلاع) لرمز دولتهم الموعودة.. وقبل حلول عام النكبة (1948) تم الإعلان عن تشكيل عصابتين صهيونيتين أخرتين ( الأرغون و البالماخ ) في ديسمبر العام 1947 ، لينتهى اليهود الصهاينة من رسم ضلعين متساويين، من المثلث الثاني للإنتقام ، ولا يتبق لهم على استكمال الضلع الثالث من مثلث الانتقام ، سوى “حرب التحرير” ، ويتشابك مع المثلث الأول (العصابات الثلاث) ، بحيث يكون راس كل مثلث في عكس اتجاه الإخر، ليكتمل “ختم سليمان” الوارد في عقيدتهم التوراتية ، من أجل حمايتهم من “أرواح الشر”، ويصبح رمزا للديانة اليهودية باسم “نجمة داود” التي اقتبسها بنو إسرائيل من مصر عقب خروجهم منها ، وكانت في جوهرها رمزا للإنتقام الذي رسم المضلع النجمي السداسي اليهودي، على خريطة الشرق الأوسط .
الانتقام هدف في حد ذاته بين الصهاينة ، بفقه التوراة كما يؤمنون ، يقودنا إلى الإمساك بالدوافع الخفية وراء الإمعان في تعذيب أهل غزة وجميع الفلسطينيين بالقتل والتدمير ، و تركهم عراة في برد الشتاء ، بلا غطاء أوطعام ، وحرمانهم من الدواء ، والمياه.
الانتقام عند اليهود ، ليس إلا طاعة واستجابة لأوامر الرب ، لبث الرعب بين الأعداء ، يوظفه اليمين الديني المتطرف بقيادة نتنياهو ليضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد :
1ـ تطبيق الشريعه الدينية (بما يرضي الله)
2ـ تشفي غليلها من المقاومة الفلسطينية وأهلها وجيرانها ، ومعارفها
3ـ ورقة قوية أمام المجتمع الدولي لمساومتة على “هدنة إنسانية” في غزة ، مقابل إدخال المساعدات الإنسانية وتسريعها ، وليس عند إيقاف المقتلة البشرية التي ينصبها نتنياهو على شواطىء غزة ! .. ورقة يبتز بها الصهاينة ، كل من على ظهر هذا الكون ،عند مفاوضات حل سياسي ، يقيم لفلسطين دولة مستقلة؟
الانتقام عند الصهاينة اليهود ، دين ودولة ، وإذا كان من المستحيل تغيير العقيدة الدينية ، فإن مواجهة الإنتقام التاريخي المؤسس للفكرة الصهيونية ، لن يكون إلا بالمقاومة الفلسطينية الباسلة ، هي الأمل الوحيد لتبوير فكرة الإنتقام عند هؤلاء الجزارين ، ليعرفوا إن لكل فعل ، رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه ، تماما مثل مثلثي نجمة داود ، كل منهما يساوي الآخر قي طول الأضلاع ، ويرتكزان في عكس الاتجاه !
استيقظ تشايلوك اليهودي المرابي من مرقده، وعاد من جديد ، يتلو علينا أسفار الأجداد ، ويعرض إقراضنا “الرحمة” مقابل قطعة أخرى من لحمنا ، إذا لم نستسلم في الموعد ، إلا أن للمقاومة الفلسطينية الجسورة قول آخر.