معركة الكرامة أعادتها إلى الواجهة،، هيئة العمليات.. “أمن يا جن”..
ألقوا الرعب في قلوب ميليشيا الجنجويد وطمأنوا الناس باقتراب ساعة الخلاص.
استبعدهم حميدتي من المشهد مبكِّراً ليمهِّد الطريق لمشروعه الاستيطاني..
جلال تاور: ينبغي رد اعتبارهم وإنصافهم، واستقاء الدروس التي قدموها خلال الحرب..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
” أمن يا جن ” شعار حصد إعجاب الملايين ممن ينشطون في السوشيال ميديا، ومنصات التواصل الاجتماعي، ليصبح في وقت وجيز ” ترند” استحوذ على كل مساحات الإعلام داخلياً وخارجيا، وشعار ” أمن ياجن ” يعود إلى قوات هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات والتي أصبح اسمها الجديد “هيئة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة” وقد أعادتها معركة الكرامة الوطنية إلى الواجهة، حيث أحدثت فرقاً واضحاً في مسار العمليات منذ نزولها ميدان معركة الكرامة، وقد نجحت مع قوات العمل الخاص في تحقيق الدعم والإسناد المطلوب للقوات المسلحة.
إنشاء هيئة العمليات:
وكان مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق الفريق صلاح عبد الله قوش قد انتبه مبكراً إلى أهمية وجود قوات مشاة متخصصة في حرب المدن، فسارع في العام ٢٠٠٥م، إلى إنشاء لواء هيئة العمليات وهي وحدة قتالية تتعامل باحترافية عالية داخل هذا الجهاز، وتتكون من نحو 12 ألف مقاتلاً منتشرين في مواقع مختلفة بالخرطوم وفي عدد من الولايات الأخرى، وقد ساهمت هذه القوات بصورة مباشرة في تأمين الحدود وخطوط البترول وتعزيز الأمن داخل الولايات وفي المدن، وتطورت هيئة العمليات بشكل ملحوظ خلال فترة الفريق أمن مهندس محمد عطا المولى الذي خلف الفريق صلاح قوش، حيث زادت الكفاءة القتالية لهيئة العمليات وتخصصت في حرب المدن وفض التجمعات والنزاعات، ولعل أبرز ما قامت هيئة العمليات منذ تكوينها في العام ٢٠٠٥م كان تصديها لعملية الذراع الطويل التي قامت بها قوات حركة العدل والمساواة بقيادة الراحل خليل إبراهيم بهجومها على الخرطوم في العام ٢٠٠٨م.
هيئة العمليات والدعم السريع:
لعل من المفارقات العجيبة أن تُكِن ميليشيا الدعم السريع كراهية كبيرة لهيئة العمليات رغم أن الأخيرة كانت لها أيادٍ سابغة في إنشاء قوات الدعم السريع، وقد استشعر قائد الدعم السريع خطورة هيئة العمليات وتهديدها لمشروعه المستقبلي في السيطرة على مقاليد الأمور في السودان، فسعى خلال فترة الفوضى التي ضربت البلاد إبان الفترة الانتقالية التي كانت تحكم مفاصلها قوى الحرية والتغيير خلال السنوات الأربع الأولى من عمر الثورة، إلى حلّ وتسريح هيئة العمليات لتحل مكانها قوات الدعم السريع، ونجح في ذلك في يناير من العام ٢٠٢٠م، مستغلاً تحركاً عسكرياً نفذه منسوبون لهيئة العمليات بعد رفضهم مبدأ دمجهم في قوات “الدعم السريع”، حيث طالبوا بإحالتهم إلى التقاعد مع دفع تعويض مالي.
هيئة العمليات في الميدان:
ومع اندلاع تمرد ميليشيا الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م وجدت القوات المسلحة نفسها أمام امتحان عسير نجحت خلاله في امتصاص الصدمة الأولى وتجاوز شراسة القتال في المسافة صفر، ولكن مع مرور الوقت ولجوء الميليشيا المتمردة إلى الخطة البديلة باجتياح الأعيان المدنية، والتزام البيوت والمنازل، وتهجير ساكنيها قسرياً و استخدام المواطنين دروعاً بشرية، تحولت العمليات القتالية إلى حرب مدن، وهي المرحلة التي تطلبت نزول قوات هيئة العمليات إلى ميدان القتال، حيث أفلحت هذه القوات المتخصصة في حرب المدن والاشتباك المباشر، في كسر شوكة المتمردين وتكبيدهم خسائر فادحة في الأرواح والأنفس والممتلكات، تحكي عن ذلك المعارك الضارية في أم درمان، والحلفايا، والجيلي، والفاشر، وسنار، وغيرها، ويعود الفضل إلى اللواء محمد عباس اللبيب الذي اضطلع بدور محوري في إعادة هذه القوات إلى الخدمة، وتنظيم أدائها ودورها بفتح قنواتٍ لتنسيق الجهود والمواقف مع القوات المسلحة، فيعد اللواء محمد عباس اللبيب أباً روحياً لهيئة العمليات.
إنصاف وردّ اعتبار:
ويشدد مراقبون على ضرورة أن تعمل الدولة وهيئة القيادة العليا للقوات المسلحة من أجل ردّ اعتبار جهاز المخابرات وإنصاف منسوبيه من أبطال وأشاوس هيئة العمليات الذين كانت قد تأمرت قوى خارجية وداخلية لإبعادهم عن المشهد العسكري والأمني في السودان خلال الفترة الانتقالية، ولكنهم استجابوا لنداء الواجب الوطني فانخرطوا في ميدان معركة الكرامة، وقدموا الإسناد والدعم والمؤازرة للقوات المسلحة وغطّوا ظهرها، ضاربين بعرض الحائط كل ما تعرضوا له من تنكيل وتشهير وإساءة سمعة وقتل شخصية في بواكير ثورة ديسمبر، فالحصة وطن وفي حضرة الوطن تهون المهج والأرواح،،،
نُفدِّيك بالروح يا موطني
فانت دمي وكل ما اغتني.
جوانب مشرقة للحرب:
ويرى الكاتب الصحفي الأستاذ أسامة عبد الماجد أن واحدة من أبرز الجوانب المشرقة لحرب الكرامة الوطنية هي قيام هيئة العمليات بترتيب صفوفها بهذه الصورة المبهرة، بقيادة مديرها العام الفريق أحمد إبراهيم المفضل والانخراط في ميادين القتال لتشكل هذه القوات إضافة حقيقية للقوات المسلحة ساهمت في تحصين البلاد من الانهيار، وقال عبد الماجد في حديثه للكرامة إن الدور الذي قامت به هيئة العمليات بارز ومعلوم لدى الجميع، وسيسطِّر التأريخ هذه الملحمة البطولية التي قامت بها هيئة العمليات، مبيناً أن ذلك كان واحداً من الأسباب التي دفعت رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان لاستصدار قرار بإعادة هيئة العمليات للخدمة، ولاحقاً إعادة صلاحيات جهاز المخابرات التي كانت قد سُلبت منه لتكون محصورة فقط في رصد وجمع المعلومات لتعود صلاحيات الجهاز في الاعتقال والتفتيش وفقاً للقانون.
إضافة ميدانية:
ويثني الخبير العسكري فريق شرطة دكتور جلال تاور على الإضافة التي حققتها هيئة العمليات لصالح انتصارات القوات المسلحة في معركة الكرامة، وقال إن هؤلاء الفتية انضموا للمعركة بتفاني وتجرد ونكران للذات لم يسألوا عن رواتب ولا استحقاقات مالية، ولا حتى إجراءات متعلقة بوضعهم القانوني بعد أن تم الاستغناء عنهم تعسفياً في العام ٢٠٢٠م، ونوه تاور في حديثه للكرامة إلى وجود قوات أخرى تقاتل بذات العزيمة والفدائية ممثلةً في قوات العمل الخاص وشعبة الاستخبارات والفدائيين التابعين لسلاح المهندسين الذين يطلقون على أنفسهم ( فاقنر ) و ( ركوب رأس ) إضافة إلى المجاهدين، مؤكداً أن هؤلاء المقاتلين يستحقون أن نرفع لهم القبعات لدورهم المتعاظم في معركة الكرامة وترجيح الكفة لصالح القوات المسلحة، بعد أن ألقوا في قلوب ميليشيا الدعم السريع الرعب والرهبة، وشدد الفريق دكتور جلال تاور على ضرورة أن تُكافأ قوات هيئة العمليات بالاعتراف بها وتقنين وضعها بعد أن أثبتت أهميتها في هذه المعركة.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ فقد أعادت ميادين معركة الكرامة الوطنية السيرة الأولى لهيئة العمليات، وكشفت وجه التآمر الذي كان يعتمل دواخل قائد ميليشيا الدعم السريع يوم أن بذل الغالي والنفيس من أجل تسريح منسوبي هيئة العمليات وتفريق دمهم بين القبائل، فها هم يعودون محمولين على أكتاف حبهم للأرض وذودهم عن العِرض، وانتمائهم الأصيل للوطن النبيل، وفي ذلك فليتنافسِ المتنافسون.