
طارق الشيخ
كأي مريخابي كان تعلقنا الأول بجعفر قاقارين وهو صاحب اللقب والسابق لشقيقه في وضع اسمه في تاريخ السجال الرياضي هلال – مريخ . المؤكد ان الأمر مرتبط بثقافة تلك الأيام في عالم الرياضة فحينما حلق رجل الفضاء السوفيتي يوري قاقارين كان جعفر يحلق فوق سماء الكوكب الأحمر بحي العرضة . وحينما حطت سفينة قاقارين كان علي قاقارين قد بزغ نجما فوق سماء ذات الكوكب الأحمر لكنه ضل سبيله وانفلت عقال مركبه فحط بالكوكب الأزرق فزاده توهجا . تلك أيام تطلق على النجوم بأكثر الأسماء بريقا فكاوندا حمل لقبا باسم الرئيس الزامبي كينيث كاوندا ، ومازدا بموديل سنة بزوغه فوق سماء المريخ . على أن علي قاقارين وعلى غير عادة أشقاء النجوم فقد تجاوز شهرة شقيقه الكبير جعفر فبات هو الأكثر شهرة واللاعب الأطول عمرا في الملعب الأخضر إن لم تخني الذاكرة فما من لاعب بقي متألقا فوق الملعب الأخضر كما فعل علي . وربما كان علي قاقارين وبسبب تألقه ورصيده من الألقاب الكبيرة على المستوى السوداني المحلي والأقليمي ماجعله أحد أساطير كرة القدم الأفريقية ومن أشهرهم على الإطلاق . لقب قاري واحد والتأهل مرتين متتاليتين في الألعاب الأولمبية في وقت كانت كل القارة تلعب بداخل القارة . فقد كان عليا ضمن الكوكبة التي استطاعت تحقيق انتصارات تاريخية ونادرة على عمالقة الشمال الأفريقي مصر وتونس في أحد اعلى قممها وتأهل السودان وشارك في أولمبياد ميونيخ 1972 ثم في الأولمبياد التالي له ممثلا القارة الأفريقية عام 1976 في مونتريال كندا وهي البطولة التي انسحبت منها افريقيا احتجاجا على نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا .
واعتقد ان السبب الرئيسي في حب الناس لعلي أو الرمح الملتهب كان في طول الفترة التي لعبها فاكتسب شعبية واسعة بين أجيال شاهدته لاعبا بارعا . والسبب الآخر أنه كان مثالا يحتذى وأسهم في تشجيع الناشئة للممارسة الرياضية على اختلاف أنواعها جاسرا الهوة الفارقة بين التعليم والرياضة وهي كانت إحدى الصراعات الأسرية التي حرمت الرياضة في السودان من مئات الرياضيين الأفذاذ الذين وفي لحظة معينة كان عليهم الإختيار بين إشفاق الآباء والأسرة وتأمين مستقبلهم بعيدا عن الكرة . هذا السد المانع والعازل والذي تسبب في حرمان الاف المواهب من ممارسة رياضاتهم المفضلة بسبب هذا الخيار الصعب الذي لاشك واجه كل نابغة ولاعب ورياضي فذ . علي كان الترياق والقائد الذي فتح الباب أمام الاف الرياضيين ولاعبي كرة القدم على وجه التحديد لما عرف عنه من تفوق دراسي ورياضي . وهذا شيء يصعب فعلا تخيله أن تلعب وانت طالب في الهلال أحد القمتين الأعلى في الكرة السودانية وتصبح نجما وأنت لم تغادر مقاعد الثانوية وتزاوج بين الكرة والنجومية والجمهور والدراسة الجامعية بكل مايتطلبه ذلك من مواءمة قطعا لايقدر عليها الا الأفذاذ وعلي قاقارين كان في طليعتهم .
هذه الصعوبة الحقيقية التي جعلت الدول التي عرفت الإحتراف في كرة القدم أن تحسم الأمر فلا مكان لمحترف خارج أسوار الأندية . ولصعوبة حقيقية في ضبط الإيقاع بين النادي والجمهور والدراسة . وحتى الإستثناءات العالمية كانت نادرة لايعرف العالم الكثير عنهم باستثناء حالتين هما ربما الأبرز في البرازيليين سقراط وفالكاو فالأول نبغ في طب الأسنان والثاني في القانون .
أهمية هذه النقطة هنا للتذكير للأجيال الحالية التي تمارس كرة القدم فقد كانت الرياضة في السنوات الباكرة لكرة القدم تحديدا في السودان تقوم على الخيارات المدرسية كما هو الحال في الدول المتقدمة في كل مدرسة في أي بقعة من السودان تتم عملية توزيع مبكرة للطلاب وفقا لهواياتهم لممارسة نوع من الرياضة يتفق والمواصفات البدنية لكل طالب . وبالتالي تتم كل العملية الرياضية عبر المدرسة وتحت رقابة أساتذة وتحت قيادتهم وتوجيههم . بمعنى أن الرياضة تتم بصورة أقرب للعلمية والمنهجية ولاتترك فقط للشارع والدافوري لكي يتحكم في تنميتها . بمعنى آخر كانت الرياضة والتعليم يسيران على طريق واحد . ونجد التوجيه والمحافظة على النبل الرياضي وقيمه فوزا أو هزيمة وكيفية التعامل مع الخصوم بكل ماتمليه الروح الرياضية . ولذا فجل من لعب كرة القدم في تلك السنوات ومنذ عرف السودان الكرة غالبيتهم يدخلون أبواب الأندية الكبرى او الصغرى من بوابة المدارس والقلة هي التي تفدها من خارجها . ولذلك وفي كل مدينة سودانية صغيرة أوكبرى تجد نجوم المجتمع هم طلاب المدارس وتبدأ تلك النجومية مبكرا ومنذ المرحلة الإبتدائية . لذا نجد أن الرياضة والروح الرياضية وعبقها تحتفظ بها الذاكرة السودانية لتلك الأجيال . ونجد أن لكل مدرسة نجومها ولهم جمهورهم من المدينة وبين طلاب المدارس . ويمكن لكل واحد ممن عاشوا تلك الأيام أن يتذكر عبق تلك الأيام وأبطالها من الرياضيين . علي قاقارين كان على ٍرأس النجباء من اللاعبين والذين أسهموا بطبع تلك المرحلة بطابعهم الخاص . الأندية في غالبها تحتشد بلاعبين من طلاب المتوسطة والثانوية والجامعات . بل أن كثير من مدن السودان خارج العاصمة الخرطوم كانت تشهد حالة تجريف سنوية بسبب تخرج الطلاب من الثانويات الى الدراسة الجامعية مما يعني ان فريقا ما قد يفقد عددا من أنجمه في موسم واحد وأكثر تلك الأندية تعاني من الحالة الإنتقالية بين الطلاب . ( نواصل )
صورة من زيارة علي الى الدوحة ولقاء وترحاب الرياضيين