الأعمدة

مأساة سعدية بت الامين وألجأك ود الحسين.

 

هذه القصة المفجعة انقلها لكم مع الاحتفاظ بالأسماء الحقيقية لأبطالها ، حتي تكون رسالة للعالم المتماهي مع الظلم والانتهاكات التي تجري في بلادنا، و الذي ما يزال يوصف حربنا انها بين جنرالين، ولؤلائك الذين ما يزالون يقفون في المنطقة الرمادية دون وعي ، وللذين يشكلون الغطاء السياسي والإعلامي للمليشيا بعد أن وقعوا معها تلك الوثيقة البالية والتعهدات المخزية في فبراير من هذا العام في أديس أبابا و سموها بإعلان المبادي، تلك المبادئ التي لا يلتزم بها احد ولايعرف كيف تصان “عن اي مبادي تتحدثون؟! “.

ان مأساة سعدية بنت الأمين والجاك ود الحسين ليست سوى قصة مؤلمة” لعائلة سودانية ضمن مئات القصص” لعوائل تعاني من ويلات الحرب والظروف الصعبة التي أجبرتها على النزوح والفرار بحثًا عن الأمان. تسلط هذه القصة الضوء علي معاناة هذه العائلة التي تعرضت لإصابة أطفالها الثلاث بنيران المليشيا بينما كانوا يحاولون الفرار للنجاة بأنفسهم حتي نعلم حجم المأساة و الكارثة الانسانية التي حلت بهم .

بدموع تنهمر من عينيها تروي سعدية تفاصيل مأساتها حيث عاشت لحظات عميقة من الألم، بأحدي قري مدينة الهلالية، أثناء محاولتهم الهروب. هي وزوجها ود الحسين وأطفالهما فروا من جحيم الحرب التي نزلت عليهم بغتة، بعد انحياز القائد كيكل للجيش السوداني وتخليه عن قيادة المليشيا. ليجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة ظروف أمنية وإنسانية كارثية تهدد حياتهم.

كانوا يستعدون لاستقبال مولود جديد، وقد أعدوا جميع المستلزمات التي تجهزها الأسرة السودانية لاستقبال المولود، والتي أصبحت جميعها غنيمة سائغة للغنامة والشفشافة من افراد المليشيا لم يُترَكوا لهم حتي ملابس الطفل المنتظر أو ما كانت تعده سعدية من عطور لزينتها كما تفعل النساء ، فضلاً عن الذهب والملابس رغم ذلك لم يجد ودالحسين ما يفدي به أسرته للسماح لها بالخروج من منزلهم سوى تلك العربة التي تعود لشقيقيه، والتي كانت موجودة في بيته منذ سنوات، متمسكاً بالاعتقاد أن مدينة الهلالية بولاية الجزيرة مكانا امنآ.

خرج الجاك ود الحسين مكسور القلب مع أسرته بعد أن فقدوا كل ما كانوا يملكون. حمل طفليه أسامة المصاب، الذي يبلغ من العمر عامين، وراوية ، ذات الأربعة أعوام التي فقدت احدي عينيها ، على كتفيه، بينما ترك محمود ذو السبعة أعوام يعتصر الم المسير، يمضي على قدميه غير مكترث بالأشواك والأحجار التي كانت تؤلمه . كانت سعدية تحمل في أحشائها تلك الطفلة التي كشف الطبيب عن هويتها و بشرهم بها ، كانت في الأشهر الأخيرة من الحمل بحسب روايتها. كانت وهي تحكي عن مأساتها، تخرج الكلمات من بين أنفاسها المتعبة في عناء كما لو كانت تحاول سحب سفينة عملاقة من أعماق البحر. خلف تلك الكلمات كانت تعتصر الالم و تخفي الحزن العميق.

تسألت كيف لها ان تغادر بيتها وموطنها في الهلالية تبكي وهي تتذكر كيف تركت جيرانها الذين احبتهم منذ ان جاءات عروسآ الي تلك البلدة ، لم تجد منهم احد يواسي حزنها او يضمد جراحها لان الجميع مضي جريا خائفا من المليشيا او قتل علي يد شفشافتها وغنامتها ومنهم من نجا بعد معاناة.

توجهت سعدية مع عائلتها إلى ولاية القضارف بعد صعوبة الطريق ومشقته، كانت تأمل بالعثور على أمان وحياة أفضل . لكن للأسف الأمور لم تسر كما كانت تأمل، فقد واجهتها الحروب والمعاناة التي أضرت بأطفالها وأجبرتها على مواجهة العديد من المصاعب تذكرت بنت الامين ان كل هذه المعاناة التي تعيشها واسرتها حدثت بعدما سيطرت القوات المتمردة على ود مدني، عاصمة الولاية، في منتصف ديسمبر الماضي، فاضطروا للتعايش اول الامر فقد كان القائد كيكل يوفر لهم بعض الحماية.

و بعدما نزحت مع عائلتها إلى ولاية القضارف في شرق البلاد، كانوا يخططون للانتقال إلى ولاية نهر النيل، حيث تقيم عشيرتها. تقول إنها قررت ذلك مع زوجها ود الحسين الذي كان يستمع الي سردها المفجع في الم بالغ وحزن عميق وهو يغالب دموعه المحتشدة في كبرياء حتي لا تراها عائلته قال: لي” لو لم اكن مصابا بالسكري لكنت الان مع المجاهدين لأثئر لكل هذه الانتهاكات التي تعرضنا لها”.

بعد أن قضت سعدية أسبوعين او يزيد في القضارف، في ظل تهديد القوات المتمردة باجتياح المدينة وتدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع وإيجارات المنازل، كانوا يستعدون للتوجه إلى ولاية نهر النيل. لكن لسوء حظهم، لم يستطيعوا، فقد فاجأها الألم المخاض الذي أفقدها طفلتها المنتظرة، أريج، كما كانت تنوي تسميتها. لم تجد من يواسيها في الامها وفجيعتها غير زوجها واطفالها وتلك المرأة التي كانوا ينادونها حبوبة سارة كانت جارتهم في المكان.

بالرغم من كل تلك المحن التي عاشتها سعدية وعائلتها، إلا أنها لم تفقد الأمل والإيمان بأن يأتي يوم أفضل حين ينتصر الجيش في هذه الحرب الوجودية ويستعيد الامن والسلام هذا ما قالته لي، فهي تحمل أملًا في أن الظروف ستتحسن وستجد عائلتها بجانبها بأمان وهدوء. عليه يظل وجه الحقيقة في التأكيد علي إن مأساة سعدية بنت الأمين والجاك ود الحسين تعد عبرة لنا جميعًا على ضرورة التضامن من أجل نصرة بلادنا ودعم جيشنا لطرد المليشيا من حياتنا الي الابد والمساعدة في إغاثة العائلات المتضررة من هذه الحرب. فالدين و لإنسانية تتطلب منا أن نكون دعمًا لبعضنا البعض في اللحظات الصعبة ونعمل معًا من أجل بناء بلد امن مطمئن بجهد الجميع .
دمتم بخير وعافية.
الجمعة 15 نوفمبر 2024م. Shglawi55@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى