
اجتهد بعض المسرحين الرواد من جيل الستينيات في البحث عن مسرح عربي عربي فاسترجع بعضهم عناصر من أشكال الفرجة الشعبية السامرية وشكل منها نصا مسرحيا استهدف عرضه في حلقة شعبية ، ومنهم من نهل من تراثنا العربي موضوعات إشراقية صاغها في بناء درامي يضفر بعضا من العناصر الدرامية مع عناصر التغريب المسرحي الملحمي ، ومنهم من كتب نصوصا يجوز لنا نسبتها الي دراما اللاشكل أو حالة مسرحة في شكل المسرواية ومنهم من حاول استعادة أسلوب المقامة عند بديع الزمان الهمذاني .
تنوعت المحاولات موشحة بشعار القومية العربية التي انعكست من واقعنا السياسي العربي سدا للفراغ السياسي بعد منجز الكفاح الوطني والتحرر وخلاصه من ربقة الاستعمار –
هكذا دارت عجلة التنظير والتطبيق المسرحي العربي ما بين منهج التوفيق بين عناصر الشكل في الدراما الأرسطية ودراما التغريب الملحمي حيث وقع أولئك وهؤلاء في بؤرة التلفيق الفني والفكري ؛ ذلك أن عملية التوفيق بين عناصر الفرجة الشعبية وعناصر الدراما الآرسطية وفنون الاندماج والإيهام مع عناصر التغريب الملحمي لا يحقق التطهير الأرسطي ولا يحقق التغيير الملحمي لتعارض عناصر الاندماج الإيهامي الدرامية مع عناصر الادهاش الإدراكية الملحمية وتعارض خطابهما التفكيكي مع خطاب المستلهم التراثي وعناصر فرجته الشعبية ؛كي لا ينتج مسرحا تلفيقيا في البنية وفي الخطاب معا – لذلك فشل استنبات تلك المحاولات مسرحيا مع فشل نظرية التوفيق السياسي والاقتصادي التوافقي القومي في تلك البلاد في مرحلة مابعد الكولانية .-
وقد رأينا في تجربة ( الفرافير) انفصاما بين عناصر الخليطة الدرامية الأرسطية والملحمية والفرجوية الشعبية في معالجة الموضوع الفلسفي المزدوج بين خطاب الفلسفة الوجودية المثالية التي تذهب إلي أن ( الماهية أسبق من الوجود ) وخطاب الوجودية المادية التي تذهب إلي أن ( الوجود أسبق من الماهية ) فضلا عن أثر الفلسفة الوضعية في العرض ذاته ، لذاك سريعا ما أفل نجم هذه التجربة التلفيقية الهجينة يناء وخطابا . في التجربة السياسية والتجربة المسرحية
لم بختلف الأمر عن تلك النتيجة في محاولات تجارب بقية المسرحيين العرب تحت دعوي القومية العربية في ستينيات مرحلة الثورة الوطنية فيما بعد الكولونيالية
تلاشت شعارات الدعوة إلي القومية العربية بعد هزيمة الجيش المصري الماحقة خلال ستة أيام من يونيو ١٩٦٧ وتلاشت معها محاولات توظيف المسرح لكسب التأييد لأنظمة الحكم الستينية ومحاولات إحياء فكرة القومية العربية في محاولة سد الطريق امام زحف مد شيوعي .
مرت السنون وذهب المسرح في اتجاهات شتي بعد أن دوت جذوة خطابه وانطفات نضارة عروضه و زياد ضجر جمهوره من هزال إنتاجه ورتابة إيقاعه وتشوهات تعابيره ووقوع سلعته في حوزة المنتج الزائد علي الحاجة ؛ فانصرف عنه الجمهور .
وعلي الرغم من ذلك الواقع المتدني فقد كان لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عبر دوراته العشرين قبل انتفاضة يناير ٢٠١١ ما كان من دفق دماء إبداع مسرحي جديد وافد ضخ في عروق تجارب شباب المسرحيين العرب دماء جديدة علي مدار عشرين عاما .
وفي مرحلة ما بعد انتفاضة الشعب التونسي ثم المصري ؛ إذ بِنَا وجها لوجه امام ةعروض مسرح الاوتو شرك : الريبورتاج المسرحي في مزامنة أحداث سياسية أنية .
إلي ان فوجئنا بدعوة مسرحية جديدة من سمو الشيخ د. القاسمي امير الشارقة إلي مهرجان ( المسرح الصحراوي )
يصغ دعوته كتابة نظزية ، كما فعل بعض كتاب مسرح الستينيات في مصر و سوريا وتونس والمغرب والعراق والأردن ولبنان ؛ بل بدأها بممارسة ميدانية عن طريق افامة مهرجان عربي لمسرحة المكان يحمل عنوان ( المسرح الصحراوي) الذي بدأت دورته الآولي في صحراء الكهيف يإمارة الشارقة
وقد دعيت إلي المشاركة فيه بعض الفرق المسرحية العربية من الإمارات والبحرين والأردن والمغرب وموريتانيا .
وقد أثارت مشاركات الفرق اشكالية المسرح الصحراوي والمسرح في الصحراء كما أثارتها من قبل اشكالية المسرح في الشارع ومسرح الشارع .
وواقع الأمر أن العروض التي قدمت في الدورة الأولي للمهرجان تقع تحت عنوان المسرح في الصحراء ؛ باستثناء عرض مسرحية صاحب الفكرة ( الشيخ القاسمي ) نفسه وعنوانها ( داحس والغبراء) فهي العرض الوحيد الذي بنطبق عليه مسمي مسرحية صحراوية ؛ لإرتباطها بالمكان – كما لو أنها كتبت للصحراء ؛ بمعني أن عرضها مرتبط بالمكان –
* شعرية الفكرة
بين شعرية الفكرة وشعرية المكان
اتصور أن خروج العرض المسرحي الخليجي إلي ( البر) في فصل الربيع وفي فصل الخريف ، هي فكرة نابعة من شعرية فكر يؤسس لمسرح عربي خليجي – تحدبدا – حيث اختار مسرح العرض مكانا صحراويا بين منحدرين بينهما واد ؛ جعل من أحدهما مكانا طبيعيا لجلوس مفروش متدرج للجمهور وفي مواجهته المنحدر الثاني ؛ خلفية للعرض المسرحي الذي يدور في الوادي المحصور بمساحته المستعرضة المستطيلة بعرض التلتين وطولهما .
وبذلك تتصل بشعرية اختبار المكان الفترة الزمنبة من فصلرالربيع حيث التواجد الطبيعي الترويحي للعوائل الخليجبة التي ينتقل فبها الناس للحياة في خيام متجاورة أو متفرقة في الصحراء ؛ وهو ما انتهزه الفكر الثقافي الواعي لدعوتهم للعروض المسرحبة التي اختير لها مكان العرض – المنوه عنه – بمقربة من تواجدهم الطبيعي ، ليس هذا فحسب بل وفر لهم طعام العشاء المجاني الذي يعد علي مواقد بدائية علي أثافي ؛ عليها قدور الطبخ الكبيرة تحتها لهيب نار طبخ حامية في مهرجان احتفالي لشي الخراف احتفاء بمقدم عبور الجمهور من خلالها إلي مكان العرض مما يشكل جزء رئيسا من جمالية هذه العروض المسرحية الاحتفالية .
لقد أحسست بحق وأنا في المكان أن مسرح الحلقة يبعث من جديد علي صحراء الكهيف بإمارة الشارقة . وأن مبادرة الشبخ الدكتور القاسمي تؤسس لمسرح خليجي عربي عربي بصدق .
لكن .. بعد الذي تقدم ؛ ماذا عن العروض التي عرضت تحت اسم مهرجان المسرح الصحراوي ذلك ما يهم ؛ هل يكنت المكان وسكنها ؟
* العروض بين مفهوم المسرح الصحراوي
والمسرح في الصحراء :
في عرض مبلودرامي بعتمد التعبير الصوتي بوحا بجسد مآ
أصاب أمة ضربتها طائرات العدو فباتت تندب وتولول وتلعق جراحها .. هكذا كان العرض الأردني .. حيث الحدث يصور كما لو أن مدننا العربية قذفت بصواريخ طائرات مما ألجأ العرب إلي بدايات حيواتهم الصحراوية ـ وفق تأويلي ـ
عبر شعرية بوح ونواح متواصل يتنوع ما بين أداء صوتي فرداني نازف أو ثنائيات بوح غنائي السمات كان العرض الأردني و هكذا كان أسلوب الأداء في العرض الأردني بمسرح صحراء الكهيف بالشارقة
عرض يتشكل في فضاء حلقة من الخيام تحيط بحلقة التمثيل ويفترش الجمهور الأرض الرملية في الوادي المحاط بمنحدرين لجلوس الجمهور علي أحدهما ويستخدم المنحدر المقابل خلفية تزدهي بألوان أضواء كشافات ضو ء بهيجة
في هذا العرض الجمهور المفترش الرمال يشاهد عرضا لا يتلاءم مع شعرية فكرة المسرح الصحراوي ؛ حيث تأسس العزض علي حدث اعتداء الطيران الأمريكي ودول التحالف علي الشعب العراقي ، تبدو لي عدم ملاءمة العرض للمسرح الصحراوي فصلاحية عرضها علي مسرح تقليدي في أي مكان أنسب بمعني أن عرضها لم يكن مصمما للعرض في الصحراء ومقصورا عليها وبذلك لا بنتسب إلي المسرح الصحراوي ، كونه مجرد عرض مسرحي قابل للانتقال المكاني بما في ذلك الصحراء والفرق كبير بين شعرية النوعين : مسرح صحراوي ومسرح في الصحراء
لا جديد إذا في ما قدم العرض الأردني سوي طريقة جلوس جمهور العرض متحلقين أمام فتحات الخيام التي نصبها المخرج علي أرضية ساحة العرض ( الوادي) يشاهدون الممثلين في حالات ولولة وصباح في حدث وأداء خطابي صالح للعرض علي خشبة مسرحية عادية .
إلا اذا اعتبرنا أن اعتداء الطيران الأمريكي قد تسبب في ارجاع الشعوب العربية الي مجتمعاتهم البدائية الصحراوية وسكني الخيام في البادية ؛ فهدا التأريل يحيل العرض إلي المدرسة التعبيرية
وهنا يجوز اعتبار العرض من شعرية عروض المسرح الصحراوي .