
حينما كنت صبيا ..
كان همي كل همي ..
واجباتي المدرسية..
كان معنى الحب عندي..
قبلة من والديا ..
تلك الابيات ربما تكون في جزء منها ضربا من الإصرار على النجاح بالجهد الذاتي وفي الجزء الآخر نوعا من الامنيات ..لان التشابه متوفر في كثير من عناصر التربية الاجتماعية في الشقيقة اليمن التي انجبت شاعر الابيات لطفي جعفر امان وفي بلادنا التي موطن مغنيها الفنان حمد الريح الذي جمعته اسوار جامعة الخرطوم بالشاعر الذي كان طالبا بها طيب الله ثراهما .
ولعل طبيعة بيئة البلدين تتلاقى في إصرار النشيء على التحصيل العلمي رغم قساوة الزمن وجفاف الظروف وقلة مرافق التعليم وضيق مساحة الفرص.
و كذلك فأن ايمان الكبار في قديم الزمان بإن القبلة من الوالدين للأولاد خصوصا كانت تعبتر ترفا من الدلال الذي قد يفسدهم ويجعل فيهم رخاوة وعدم اكتمال عنفوان الرجولة..وتلك كانت من سمات الإنسان البدوي القديم بفطرته المتزمتة فكان العرب امعانا في بث روح الفروسية في ابنائهم انهم يطلقون عليهم اسماء تنم عن القوة مثل صخر وليث وجبل بينما يطلقون على مواليهم اسماء تدل على النعومة مثل مرجان و فيروز او زمردة و جمانة على جواريهم لاسباب معلومة.
غير ان عدم تقبيل والدينا لنا خاصة بعد ان نصبح صبية لا يعني انهم بخوفهم علينا من فرط التدليل لا يحبوننا فقد تجد قلوبهم تتقطر دما وتتمزق الما إذا ما اصابنا مكروه لا سيما الامهات الحنونات وان كان الآباء يتصنعون القسوة في عدم إظهار تلك الشفقة علينا بصورة علنية او تجدهم غالبا ما يبكون في صمت إذا ما اصابنا وجع او حينما يضطرون الي معاقبتنا إذا ما ارتكبنا ما يجعلنا نستحق ذلك ..بل إننا لم يكن بمقدورنا معارضتهم في شي وان صحت وجهة نظرنا او نتجاسر على مقارعة كبارنا بآية حجة او حتى نرفع اعيننا للنظر في وجوههم الصارمة وذلك تأدبا و استسلاما لارائهم ايا كانت وجاهتها من عدم ذلك.. وقد كان ينسحب علينا ذات الأمر احيانا حتى بعد ان غدونا شبابا او حتى آباء !
الان الصورة اختلفت بالطبع فاصبحت هنالك مساحة للابناء للمشاركة بالراي في تقرير مصيرهم وبلوغ رغباتهم والوصول إلى طموحاتهم و بات لهم نصيب الاسد في تسيير امور وتقرير مصائر الحياة الاسرية في شتى الضروب .
اذ أن الكثير من المجتمعات الحضرية اصبحت الصورة فيها مقلوبة تماما بان بات تبادل الادوار هو السمة الغالبة بين الآباء والابناء ذكورا وإناثا وذلك بحكم تفوق الابناء العلمي و تقلدهم الوظيفة المنتجة مما حقق لهم تفاوت الدور الاقتصادي المؤثر في دولاب الحياة العائلية.
وهو قانون فرضته معطيات الزمن التي قد سلم بها بعض الكبار وفقا للبيئة الاجتماعية المرنة هناك كما اسلفنا ..بينما ظلت بعض المجتمعات المحافظة تراوح في مقاومتها لحركة عجلة التغيير انحباسا عند مربع حاكمية عقليتها التي ورثتها كابرا عن كابر دون مراعاة لتبدل الصور القديمة العالقة في جدران الذاكرة واختلاف اطرها من حيث احجامها والوانها .. او الاستماع لحقيقة ان لكل زمان تربية ومفاهيم .