
✍🏻المستشار/مهيد شبارقة
لم يخلق السودان فقيراً ولم يكتب عليه الشقاء من فراغ فهذا البلد الذي تكثر في جوفه الكنوز وتفيض أرضه بالخيرات يعيش مفارقة مأساوية:
دولة غنية بكل مورد لكن شعبها مكتوب عليه وبقوة السلاح ان يعيش فقير ومورد وافر لكن مستغلّ من قبَل قلّة تحتكر السلاح والسلطة…!!! في قلب هذه المعضلة يقف الجنرالات كورثة دولة ما بعد الاستعمار وصناع الدولة العميقة وحراس الامتيازات المحصّنة ببدلاتهم العسكرية.
ولأني مواطن سوداني أكتب من وجع هذه الأرض أقرُّ أنني كنت مثل كثيرين أؤمن أن الجيش هو الضامن لوحدة البلاد وشعبه.
لكن الحقيقة الماقلة منذ الاستقلال كانت صادمة:
فمن الذهب للثروة الحيوانية ومن الأراضي الزراعية للعقارات والفلل الفخمة والقصور جنرالات الجيش أحكموا قبضتهم على مفاصل الاقتصاد وجعلوا من /حماية الوطن/غطاءً لنهب موارده…!!!
#أولا: خريطة الموارد المطمورة والظاهرة:
فالسودان بلد لا يحتاج إلى تعريف إنه يحتضن أكبر احتياطي من الأراضي الزراعية غير المستغلة في إفريقيا وتزخر مناطقه بالذهب والكروم والحديد المانغنيز والنفط سواكنه على البحر الأحمر منفذ استراتيجي وموارده المائية مدهشة لكن رغم هذه الثروات لم نشهد إلا استغلالاً جزئياً وأغلبه غير عادل فالقرى حول مناجم الذهب في /جبل عامر كأرياب والعبيدية ما تزال تعاني شح الخدمات الأساسية بينما تهرب سبائك الذهب من جوفها عبر طائرات خاصة تابعة لشخصيات مرتبطة بالمؤسسة العسكرية…!!!
#ثانيا: التسلّط العسكري وتحوّل الجيش إلى تكتل اقتصادي:
فمنذ انقلاب الإنقاذ في 1989 بدأ الجيش السوداني يتحول تدريجياً من مؤسسة عسكرية دفاعية لإمبراطورية اقتصادية تضخمت هذه الإمبراطورية أكثر بعد سقوط البشير حيث أحكم قادة الجيش السيطرة على /شركات المعادن و/النقل و/البنية التحتية فمثلا شركة جياد التابعة للمنظومة الدفاعية لا تخضع لرقابة الدولة…!!
وكذلك مؤسسات مثل /تصنيع السلاح و/زادنا و/الدعم السريع التي تدير شبكة مصالح اقتصادية تمتص الأرباح ولا ترد شيئاً إلى الخزينة العامة…!!
#ثالث: كيف استفاد الجنرالات من الحروب لإحكام السيطرة…؟
كل حرب في السودان كانت مبرراً لمزيد من النفوذ من /دارفور إلى /النيل الأزرق، ثم /الحرب العبثية الحالية في الخرطوم ظلّت المؤسسة العسكرية تبرر تمددها بدعوى الأمن القومي بينما كانت تطرد المدنيين من مناطق التعدين وتمنح امتيازات لشركات تابعة لجنرالات أو لشركاء خارجيين مقابل عمولات…!!
وقد تحولت الحرب إلى سوق والموت إلى تجارة وقادة الجيش إلى تجار في السوق السوداء…!!
رابعا: السيناريو البديل كيف يمكن إدارة موارد السودان لصالح شعبه….؟
إذا ما نزعت يد العسكر عن الاقتصاد يمكن لثروات السودان أن تغيّر مصيره لكن هذا يتطلب:
١/حوكمة شفافة عبر مؤسسات مدنية
٢/مراجعة شاملة لعقود الامتياز والتعدين.
٣/إشراك المجتمعات المحلية في عائدات الثروات.
٤/تأسيس بنك وطني للثروة السيادية يحفظ الموارد للأجيال القادمة.
#ختاما: لابد من الاعتراف والندم
فلنعترف نحن كمواطنين سودانيين أننا في فترات سابقة ربما سهونا عن ملاحظة حجم التسلط العسكري على الاقتصاد أو اكتفينا بالصمت حين كان يجب أن نتحدث ونكتب واليوم لا مجال للصمت فموارد السودان لم تعد تحتمل جشعا آخر وشعبه لم يعد يطيق فقرا مفروضا بقوة السلاح واشعال الحروب.