
جربت اليوم أن أقطع مسافة طويلة مشيًا من حي أكدال في الرباط إلى “قصبة الأوداية” مرورا “بحي المحيط” واستراحة قصيرة قرب المحيط . ارتأيتُ أن أقرأ كتاباً وأنا أتمشى. كان الخيار كتاب “شرح المعلقات السبع”، واخترت خلال ذلك أجمل أبيات من معلقات أربعة شعراء: امرئ القيس، عنترة بن شداد، طرفة بن العبد، وعمرو بن كلثوم.
وجدت متعة حقيقية في المشي، خاصة أن شوارع المدينة شبه خالية، والواضح أن كثيرين ذهبوا إلى حيث الأهل بمناسبة العيد. جعل الله أيامكم كلها أعيادًا. وجدت متعة في أشعار الكبار، واستغربت وتعجبت كيف يقال عن هذا الشعر الممتع وعميق الدلالات: “الشعر الجاهلي”. فمن يقول ذلك هو الجاهل بهذه المعلقات.
إليكم بعض المختارات:
امرئ القيس
تَقُولُ وقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا مَعاً عَقَرْتَ بَعِيْرِي يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْزِلِ
فَقُلْتُ لَهَا: سِيْرِي وأَرْخِي زِمَامَه ولاَ تُبْعدِيْنِي مِنْ جَنَاكِ المُعَلَّلِ
إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ بِشَقٍّ وتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَوَّلِ
أفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزمعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي
أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي وأنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ
ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَهُ عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُوْمِ لِيَبْتَلِي
فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ وأَرْدَفَ أَعْجَازاً وَنَاءَ بِكَلْكَلِ
ألاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيْلُ ألاَ انْجَلِي بِصُبْحٍ، وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثَلِ
طرفة بن العبد
وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
فَذَرني وَخُلقي إِنَّني لَكَ شاكِرٌ وَلَو حَلَّ بَيتي نائِياً عِندَ ضَرغَدِ
فَلَو شاءَ رَبّي كُنتُ قَيسَ بنَ خالِدٍ وَلَو شاءَ رَبّي كُنتُ عَمروَ بنَ مَرثَدِ
فَأَصبَحتُ ذا مالٍ كَثيرٍ وَزارَني بَنونَ كِرامٌ سادَةٌ لِمُسَوَّدِ
أَنا الرَجُلُ الضَربُ الَّذي تَعرِفونَهُ خَشاشٌ كَرَأسِ الحَيَّةِ المُتَوَقِّدِ
سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ
وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تَبِع لَهُ بَتاتاً وَلَم تَضرِب لَهُ وَقتَ مَوعِدِ
عمرو بن كلثوم
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَا وَلاَ تُبْقِي خُمُوْرَ الأَنْدَرِيْنَا
مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَا إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِيْنَا
تَجُوْرُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَنْ هَوَاهُ إِذَا مَا ذَاقَهَا حَتَّى يَلِيْنَا
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْرٍو وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَا
وَكَأْسٍ قَدْ شَرِبْتُ بِبَعْلَبَكٍّ وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصرِيْنَا
وَإِنَّا سَوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَايَا مُقَدَّرَةً لَنَا وَمُقَدِّرِيْنَا
قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِيْنَا نُخَبِّرْكِ اليَقِيْنَ وَتُخْبِرِيْنَا
بِيَوْمِ كَرِيْهَةٍ ضَرْباً وَطَعْناً أَقَرَّ بِهِ مَوَالِيْكِ العُيُوْنَا
وَأنَّ غَداً وَأنَّ اليَوْمَ رَهْنٌ وَبَعْدَ غَدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِيْنَا
عنترة بن شداد
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ إِن كُنتِ جاهِلَةً بِما لَم تَعلَمي
يُخبِركِ مَن شَهِدَ الوَقيعَةَ أَنَّني أَغشى الوَغى وَأَعِفُّ عِندَ المَغنَمِ
لَمّا رَأَيتُ القَومَ أَقبَلَ جَمعُهُم يَتَذامَرونَ كَرَرتُ غَيرَ مُذَمَّمِ
يَدعونَ عَنتَرَ وَالرِماحُ كَأَنَّها أَشطانُ بِئرٍ في لَبانِ الأَدهَمِ
فَاِزوَرَّ مِن وَقعِ القَنا بِلَبانِهِ وَشَكا إِلَيَّ بِعَبرَةٍ وَتَحَمحُمِ
لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي